للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَدَلِيلُنَا: مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ.

وَبَيَانُهُ: أَنَّ الذَّكَاةَ تَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُبَاشِرٍ، وَلَا تَحِلُّ بِغَيْرِ فِعْلٍ مُبَاشِرٍ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهَا ذَكَاةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ بِالْمُبَاشِرَةِ دُونَ السَّبَبِ كَمَنْ نَصَبَ سِكِّينًا، فَاحْتَكَّتْ بِهَا شَاةٌ فَانْذَبَحَتْ لَمْ تُؤْكَلْ.

وَعَلَّلَ أَبُو الطِّيبِ بْنُ سَلَمَةَ بِأَنَّ الصَّيْدَ يَحِلُّ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ مِنْ جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إِلَى عُلُوٍّ فَسَقَطَ عَلَى صَيْدٍ اعْتَرَضَهُ لَمْ يَحِلَّ، وَالْمَقْتُولُ بِسِلَاحِ الْأُحْبُولَةِ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا، وَلَا مِنْ جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ دَخَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَهُ لِصَيْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لِجُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَحِلَّ.

وَعَلَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ بِأَنَّ الذَّكَاةَ تَحِلُّ بِالْفَاعِلِ، وَالْأُحْبُولَةَ لَا فِعْلَ لَهَا، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلصَّيْدِ الْوَاقِعِ فِيهَا، فَلَمْ يَحِلَّ كَمَا لَوِ احْتَكَّ بِحَدِيدَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ انْذَبَحُ بِهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ فَهُوَ أَنَّهُ وَارِدٌ فَيْمَا تَصِحُّ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنَ الْآلَةِ إِذَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَفَرَى الْأَوْدَاجَ بِحَدِّهِ ثُمَّ بِشُرُوطِ الِاسْتِبَاحَةِ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشَرَةِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ، فَهُوَ مَا مَنَعْنَا بِهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالضَّمَانِ، فَوُجُوبُ الضَّمَانِ أَعَمُّ، وَإِبَاحَةُ الْأَكْلِ أَخَصُّ فَافْتَرَقَ حُكْمُ الْعُمُومِ والخصوص.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهُ مِنْ إنسيٍّ أَوْ وحشيٍّ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بَأَنْ يُذَكَّى وَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وحشيٍّ أَوْ إنسيٍّ فَمَا قَدَرْتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الرَّمْيِ أَوِ السِّلَاحِ فَهُوَ بِهِ ذكيٌّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ: مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَمُمْتَنِعٌ.

فَأَمَّا الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ، فَلَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلِيًّا أَوْ وَحَشِيًّا، وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ، فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَحْشِيٌّ كَالصَّيْدِ، فَعَقْرُهُ ذَكَاتُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَصَبْتَهُ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَهْلِيٌّ، كَالنَّعَمِ إِذَا تَوَحَّشَ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَقْرَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَصَبْتَ مِنْ ذَكَاتِهِ، كَالصَّيْدِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عمر.

ومن التابعين: الحسن، وعطاء، وطاووس.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>