(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا بَيَانُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، فَقَوْلُهُ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهُنَّ فِيهِ تَأْوِيلَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ فَهُوَ حَالِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِيلَاءَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى ٧ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ مَا قَارَبَ مِنَ الْإِيلَاءِ كَانَ بِهِ مُولِيًا وَقَدْ خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَاهُنَا قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ ثَانِيًا.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِوَطْءِ مَنْ سِوَاهَا، وَقَوْلُهُ يُوقَفُ لِكُلِّ واحد مِنْهُنَّ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا تَأْوِيلَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَحِلٌّ لِلْوَقْفِ لَهَا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِيهَا.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُوقَفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِنْ تَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِيهَا بِوَطْءِ مَنْ سِوَاهَا وَقَوْلُهُ فَإِذَا أَصَابَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ خَرَجَتَا من حكم الإيلاء، ويوقف للباقيتين حتى يفيء أو يطلق فخروج الموطؤتين مِنَ الْإِيلَاءِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يُوقَفُ لِلْبَاقِيَتَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا مَحَلٌّ لِلْوَقْفِ لَهُمَا.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوقَفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِنْ تَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِيهَا بِوَطْءِ الْأُخْرَى، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ مَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ الْمُزَنِيِّ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.
(فَصْلٌ:)
ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ فِي الْأَرْبَعِ فَرْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِيمَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا مِنْهُنَّ، فَإِنْ طَلَّقَ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا خَرَجْنَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ وَيَكُونُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مَوْقُوفًا فِي الرَّابِعَةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَلَا يَحْنَثُ وَلَا يَسْقُطُ الْإِيلَاءُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَطَأُ الثَّلَاثَ الْمُطَلَّقَاتِ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فَيَتَعَيَّنُ الْإِيلَاءُ فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَطْئِهَا، وَوُقُوعُ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ الْمَحْظُورِ كَوُقُوعِهِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الْأُمِّ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ وَفُلَانَةَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَطَأَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَيَصِيرَ مُولِيًا مِنَ امْرَأَتِهِ.
وَالْفَرْعُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ مِنَ الْأَرْبَعِ وَاحِدَةٌ فَيَسْقُطُ الْإِيلَاءُ مِنَ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْئِهِنَّ لِفَوَاتِ الْوَطْءِ بِالْمَيِّتَةِ مِنْهُنَّ، فَأَسْقَطَ الشَّافِعِيُّ الْإِيلَاءَ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يُسْقِطْهُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُطَلَّقَةِ لَمْ يَفُتْ وَوَطْءَ الْمَيِّتَةِ قَدْ فَاتَ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يَطَأُ الْمَيِّتَةَ كَمَا يَطَأُ الْمُطَلَّقَةَ وَهُمَا وَطْآنِ مُحَرَّمَانِ، فَلِمَ أَجْرَيْتُمْ حُكْمَ الْوَطْءِ عَلَى أَحَدِهِمَا