فَهَذِهِ صِفَةُ السُّجُودِ وَهَيْئَتُهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْكَمَالِ، وَلَيْسَ فِي الْإِخْلَالِ بِشَيْءٍ مِنْهَا قَدْحٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَنْعٌ مِنْ إِجْزَاءٍ، فَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرُكْنٌ وَاجِبٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ
وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ أَنَّ مُصَلِّيًا هَوَى لِلسُّجُودِ فَسَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا فَإِنْ كَانَ انْقِلَابُهُ قَصْدًا لِلسُّجُودِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ انْقِلَابُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ للسجود لم يجزه
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا كَذَلِكَ حَتَّى يَعْتَدِلَ جَالِسًا عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا فَرَغَ مِنَ السُّجُودِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا رَفَعَ مِنْهُ مُكَبِّرًا، وَالرَّفْعُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَالتَّكْبِيرُ مَسْنُونٌ، فَيَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ أَوَّلِ رَفْعِهِ وَيُنْهِيهِ مَعَ آخِرِ رَفْعِهِ لِيَصِلَ الْأَرْكَانَ بِالْأَذْكَارِ ثُمَّ يَجْلِسُ مُعْتَدِلًا مُطْمَئِنًا، وَهَذِهِ الْجِلْسَةُ وَالِاعْتِدَالُ فِيهَا رُكْنَانِ مَفْرُوضَانِ
وَقَالَ أبو حنيفة: هُمَا سُنَّتَانِ لَا يَجِبَانِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَدْرَ حَدِّ السَّيْفِ
وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ يَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ "
وَرَوَى رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ عَلَّمَ الرَّجُلَ الصَّلَاةَ قَالَ: " فَإِذَا رَفَعْتَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى "
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلرَّجُلِ حِينَ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ جِلْسَةٍ لَوِ ابتداء لَهَا بِالْقِيَامِ بَطَلَتْ بِهَا الصَّلَاةُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَفْرُوضَةً فِي الصَّلَاةِ كَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لِلتَّشَهُّدِ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ هَذِهِ الْجِلْسَةِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهَا، فَمِنَ السُّنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُولُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي "
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى كَذَلِكَ "