وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ تَضِلَّ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، لِأَنَّ تَأْخِيرَ نَحْرِهَا تَفْرِيطٌ مِنْهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إِلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا لِعُذْرٍ فَلَا يَضْمَنُ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَضِلَّ مِنْهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا وَبَقَاءِ بَعْضِهَا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ تَفْرِيطًا مِنْهُ يَلْتَزِمُ بِهِ ضَمَانُهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ تَفْرِيطًا لِبَقَاءِ زَمَانِ النَّحْرِ وَجَوَازِ تَأْخِيرِهَا إِلَيْهِ فَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهَا إِنْ كَانَ لَهُ مَؤُوَنَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ تَفْرِيطًا مِنْهُ، لِأَنَّ نَحْرَهَا بِدُخُولِ الزَّمَانِ مُسْتَحَقٌّ وَتَأْخِيرُهُ رُخْصَةٌ كَتَأْخِيرِ الْحَجِّ بَعْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مُبَاحٌ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ كَانَ فَرْضُهُ مُسْتَقِرًّا، فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُهَا وَيَلْزَمُهُ طَلَبُهَا بمؤونة وغير مؤونة.
[(مسألة:)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ وَجَدَهَا وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي النَّحْرِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ هَدْيَهَا الْعَامَ وَأَخَّرَهَا إِلَى قابلٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لوقتٍ فَفَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يَبْطُلِ الْإِيجَابُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا وَجَدَ الْأُضْحِيَّةَ الضَّالَّةَ لَزِمَهُ نَحْرُهَا سَوَاءٌ كَانَ قَدْ ضَمِنَهَا بِالتَّفْرِيطِ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهَا، لِخُرُوجِهَا بِالْإِيجَابِ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ بَاقِيَةً نَحَرَهَا إِجْمَاعًا وَكَانَتْ أَدَاءً لَا قَضَاءَ، وَإِنْ نَقَصَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ نَحَرَهَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا إِلَى انْتِظَارِ مِثْلِهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى يَنْحَرَهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً دَفَعَهَا فِي الْحَيَاةِ إِلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَنْحَرْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَسْنُونَةً بَطَلَ إِيجَابُهَا وَعَادَتْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ إِلَى مِلْكِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يَنْتَظِرُ بِهَا إِلَى وَقْتِ مِثْلِهَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ كَمَا ينتظر بفوات الحج قضائه فِي مِثْلِ وَقْتِهِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ فِي وَقْتِهِ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُمْ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَبَطَلَ بِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْنُونِ.
وَلِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ كَزَكَاةِ الْمَالِ فَبَطَلَ بِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ لِوَقْتٍ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَالنُّذُورِ فَبَطَلَ بِهِ مَذْهَبُ مَنْ أَوْجَبَ تَأْخِيرَهُ إِلَى مِثْلِ وَقْتِهِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ نَحْرِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا فَفِي حُكْمِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مَسْلَكَ الضَّحَايَا فِي وَقْتِهَا يَأْكُلُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُهْدِي عَلَى حُكْمِهَا فِي الْأَصْلِ إِذَا ذُبِحَتْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ.