رَهْنُ الثَّمَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ كَانَتِ الْحَادِثَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ عَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَقِّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أن يكون معجلا، أَوْ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ مُعَجَّلًا جَازَ رَهْنُ الثَّمَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْأَجَلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ قَبْلَ ثَمَرَةٍ أُخْرَى، أَوْ بعد حدوثها فإن كان حلوله قيل حُدُوثِ ثَمَرَةٍ أُخْرَى فَرَهْنُهَا جَائِزٌ، لِأَنَّهَا وَقْتَ الْبَيْعِ مُمْتَازَةٌ عَنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ حُلُولُهُ بَعْدَ ثَمَرَةٍ أُخْرَى فَلَا يَخْلُو حَالُ رَهْنِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَرْهَنَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَرَهْنُهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا وَقْتَ حُلُولُ الْأَجَلِ غَيْرُ مُمْتَازَةٍ، وَإِفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَرْهَنَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ مَعَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ تَخْرُجْ فِيهَا الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَلَا يَخْلُو حَالُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ تَبْقَى إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ لَا تَبْقَى، فَإِنْ كَانَتْ تَبْقَى إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَرَهْنُهَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا بِالْقَطْعِ تَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْقَى إِلَى وَقْتِ حُلُولِ الْأَجَلِ فَرَهْنُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، كَالطَّعَامِ الرَّطْبِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَرْهَنَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا شَرْطِ التَّرْكِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ رَهْنَهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الرَّهْنِ يُوجِبُ تَرْكَهَا إِلَى حُلُولِ الأجل، فهذا الرهن بَاطِلٌ، وَفِيهَا وَجْهٌ آخَرُ خَرَّجَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَهْنَهَا جَائِزٌ، قَالَ لأنهما يتطوعان ببيعها وقطعها.
[(فصل)]
فإذا ثبت جَوَازَ رَهْنِهَا مَشْرُوطٌ بِمَا ذَكَرْنَا فَرَهْنُهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتِ الْحَادِثَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنِ الْأُولَى، فَرَهْنُ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ فِي الْجَوَازِ لَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ مَا يُمَيَّزُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونَ الرَّهْنُ بَاطِلًا لِلْجَهَالَةِ بِقَدْرِ الْمَرْهُونِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّهْنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَائِزًا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَفِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ بِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ جَائِزٌ لِسَلَامَتِهِ إِلَى حِينِ تَمَامِهِ بِالْقَبْضِ، وَبَقَاءُ مَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الرهن، وَالْجَوَابُ فِي الرَّهْنِ مِمَّا يُخَالِفُ الْجَوَابَ فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ إِذَا حَدَثَ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ