وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا اللِّعَانُ فَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ حَتَّى يَلْعَنَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ الزَّوْجُ وَلَا يُحْبَسُ، وَلَا تُحَدُّ الزَّوْجَةُ وَتُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا أَقْنَعَ، فَإِذَا امْتَنَعَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ اللِّعَانِ وَجَبَ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهَا، وَكَانَ مُعْتَبَرًا بِحَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهَا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ.
فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً وَالزَّمَانُ معتدلاً أقيم عليها كان وَاحِدٍ مِنَ الْحَدَّيْنِ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا، وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ خَارِجًا عَنِ الِاعْتِدَالِ بِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ شِدَّةِ بِرْدٍ أُخِّرَ جَلْدُهَا إِلَى زَمَانِ الِاعْتِدَالِ لِئَلَّا يُفْضِيَ بِحَدِّهِ الزَّمَانَ إِلَى تَلَفِهَا، وَلَا يُؤَخَّرُ رَجْمُهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّجْمِ تَلَفُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ رُوعِيَ مَرَضُهَا، فَإِنْ كَانَ مَرْجُوَّ الزَّوَالِ أُنْظِرَتْ إِلَى وَقْتِ الصِّحَّةِ ثُمَّ جُلِدَتْ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُهُ جُلِدَتْ بِمَا يُؤْمَنُ بِهِ تَلَفُهَا مِنْ أَثْكَالِ النَّخْلِ وَأَطْرَافِ النِّعَالِ، وَخَالَفَ الرَّجْمَ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّلَفُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُؤَخَّرُ رَجْمُهَا فِي الْمَرَضِ إِذَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ ولعان حتى برأ، وَلَا يُؤَخَّرُ إِذَا وَجَبَ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَيَسْقُطُ إِذَا وَجَبَ بِاللِّعَانِ بِالْإِجَابَةِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِعَكْسِ هَذَا أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إِذَا وَجَبَ بِالْبَيِّنَةِ لِجَوَازِ رُجُوعِهَا وَلَا يُؤَخَّرُ إِذَا وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ وَاللِّعَانِ لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ بِذَلِكَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ تسقط بالبينة كسقوطها بالإقرار. ويمكن رجوع الْبَيِّنَةِ كَمَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِي الإِقْرَارٍ، فَلَمْ يكن للفرق بينهما وجه.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يُلَاعِنُ بِحَمْلٍ لَعَلَّهُ رِيحٌ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنْ لَيْسَ حَمْلٌ أَمَا تُلَاعِنُ بِالْقَذْفِ؟ قَالَ بَلَى قِيلَ فَلِمَ لَا يُلَاعِنُ مَكَانَهُ؟ ")) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنَ الْحَامِلِ، وَيَنْفِيَ حَمْلَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْ حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَاعَنَ فِي حَمْلِهَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ وَلَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ الْحَمْلُ بِلِعَانٍ، وَصَارَ لَاحِقًا بِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَفْيِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ خَالَفَ فِيهِ السُّنَّةَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِي وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ إِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute