قُطِعَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْقَاطِعُ، لِأَنَّ الْبَاذِلَ لَهُ مَالِكٌ، وَلَوْ بَذَلَتْهُ الْأَمَةُ ضمنه القاطع، لأن الباذل له غير مالك، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ.
فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي تحريم الجارية بعد وطء أبيه
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ فَالتَّحْرِيمُ من وجهين:
أحدهما: تحريمها على الابن.
والثاني: تحريمها على الأب.
فأما تحريمها عَلَى الِابْنِ فَمُعْتَبَرٌ بِوَطْءِ الْأَبِ، فَإِنْ كَانَ موجباً للحد لم يحرم بِهِ عَلَى الِابْنِ، لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ حَرُمَتْ بِهِ عَلَى الِابْنِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَدْ صَرَفَتْهُ إلى حكم الوطء الحلال، وأما تحريمها عَلَى الْأَبِ إِنَّ حُكْمَهَا مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الِابْنِ، وإن كَانَ قَدْ وَطِئَهَا حَرُمَتْ عَلَى الْأَبِ كَزَوْجَةِ الِابْنِ إِذَا وَطِئَهَا الْأَبُ بِشُبْهَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا معاً، وإن كان بحال الابن فإن وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَبِ أَنْ يَطَأَهَا بِحَقِّ مِلْكِهِ، فَلَوْ كَانَ الِابْنُ قَدْ قَبَّلَهَا أَوْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَى الْأَبِ قَوْلَانِ.
[فصل: القول في وجوب قيمة الجارية]
وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ: وَهُوَ وُجُوبُ قِيمَتِهَا عَلَى الْأَبِ فَلَا يَجِبُ سَوَاءً حَرَّمَهَا عَلَى الِابْنِ أو لم يحرمها.
وقال الْعِرَاقِيُّونَ: إِنْ حَرَّمَهَا عَلَى الِابْنِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا عليه، هذا خَطَأٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَهْلَكَةٍ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَصِلُ إِلَى ثَمَنِهَا بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بالتحريم غُرْمٌ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَةُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ بِلَبَنِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْهَا غُرْمُ قِيمَتِهَا لوصوله إلى ثمنها، لكن لَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا الْأَبُ لَزِمَهُ أَرْشُ بَكَارَتِهَا، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَهْلَكَ عُضْوًا مِنْ بَدَنِهَا فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ وَطْئِهِ إِذَا لَمْ تحبل.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِذَا أَحْبَلَهَا الْأَبُ بِوَطْئِهِ فَالْأَحْكَامُ الأربعة لازمة له، ويختص بإحباله لها أربعة أحكام:
أحدها: لحوق الولد به.
وَالثَّانِي: كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ.
وَالثَّالِثُ: وُجُوبُ قِيمَتِهَا.
وَالرَّابِعُ: وُجُوبُ قِيمَةِ الْوَلَدِ.
فَأَمَّا لُحُوقُ الْوَلَدِ به فإن وجب الحد عليه لم يحلق بِهِ الْوَلَدُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ وَلُحُوقُ الْوَلَدِ يَكُونُ مَعَ وُجُودِ الشُّبْهَةِ فَتَنَافَيَا، وإذا كان كذلك ووجب الحد فصار زانياً، وولد الزنا لا يلحق الزَّانِي لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ويكون الولد مرفوقاً لِلِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَى الْأَبِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي إِدْرَاءِ الحد