للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَوْضِعِ الْأَخْذِ.

فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْأَخْذِ: فَهُوَ: أَنْ يَبْدَأَ السَّاعِي بِأَسْبَقِ الْمَوَاشِي وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ. فَيَأْمُرَ بِضَمِّهَا إِلَى مَضِيقٍ مِنْ جِدَارٍ أَوْ حِظَارٍ أَوْ جَبَلٍ، وَيَحْضُرُ الْكَاتِبُ فَيَكْتُبُ اسْمَ مَالِكِهَا، وَيَقِفُ الْعَادُّ فِي أَضْيَقِ المواضع ليعدها، والحشار يحشرها لِيَعُدَّهَا الْعَادُّ بَعِيرًا بَعِيرًا، وَيَكُونُ بِيَدِهِ عَوْدٌ يشير به إليها ويرفع صوته بالعدد لِتُؤْمَنَ عَلَيْهِ الْخِيَانَةُ وَالْغَلَطُ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ الْمَاشِيَةِ ثُمَّ يُثْبِتُهَا الْكَاتِبُ عَلَى رَبِّ المال.

قال الشافعي وهذا أخصر العدد وأوحاه، وبه جرت العادة، فإذا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ غَلَطًا عَلَى السَّاعِي أَوِ ادَّعَى السَّاعِي غَلَطًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ أُعِيدَ العدد ليزول الشك.

فَصْلٌ

: وَلَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ، وَلَا أَنْ يُلْزِمَهُمْ جُعْلَ أَتْبَاعِهِ، لِأَنَّهُ وَهُمْ وُكَلَاءُ أَهْلِ السُّهْمَانِ دُونَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أُجُورَهُمْ فِي الزَّكَاةِ، وَفَرَضَ سَهْمًا لِلْعَامِلِينَ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ أُجُورِهِمْ إِلَّا مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ يُصْرَفَ فِيهِمْ، وَلَا يَجُوزَ لِلسَّاعِي أَنْ يَقْبَلَ من أرباب الأموال هدية، لأنهم يهادونه إما لِأَنْ يَتْرُكَ عَلَيْهِمْ حَقًّا، أَوْ لِيَدْفَعَ عَنْهُمْ ظُلْمًا، فَيَصِيرُ مُرْتَشِيًا عَلَى تَرْكِ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو إِدْرِيسَ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَعَنَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِي وَالرَّائِشَ " ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " فَالرَّاشِي دَافِعُ الرَّشْوَةِ، وَالْمُرْتَشِي قَابِلُ الرَّشْوَةِ، وَالرَّائِشُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ مُصَدِّقًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللبية فَجَاءَ بِأَشْيَاءَ فَعَزَلَ بَعْضَهَا وَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَعَزَلَ بَعْضَهَا وَقَالَ: هَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غضباً شديداً ورقى الْمِنْبَرَ وَقَالَ مَا بَالُ أقوامٍ نُنْفِذُهُمْ إِلَى الصَّدَقَةِ فَيَقُولُونَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ أَمَا كَانَ يَجْلِسُ فِي بَيْتِ أُمِّهِ ثَمَّ ينظر هل كان يُهْدَى إِلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خوارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَى رَأَيْتُ عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مَالًا إِلَّا أهلكته ".

<<  <  ج: ص:  >  >>