[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي صِغَارِ أَوْلَادِهَا صِغَارُ أَوْلَادِ هَذِهِ ".
قَالَ الماوردي: وهذا لما قَالَ فَيَجِبُ فِي فَرْخِ النَّعَامَةِ فصيلٌ، وَفِي جحش حمار الوحش عجلٌ، فَيَخْتَلِفُ الْجَزَاءُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ جزاءٌ واحدٌ لَا يَخْتَلِفُ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمْ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياُ بَالَغَ الكَعْبَةِ} ، فَجَعَلَ الْجَزَاءَ هَدْيًا، وَمُطْلَقُ الْهَدْيِ مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَدْيًا لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا مَا يجوزُ فِي الضَّحَايَا وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمَتْ فِي النَّعَامَةِ ببدنةٍ، وَفِي الضَّبُعِ بكبشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بعنزٍ، وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ صِغَرِ الْمَقْتُولِ وَكِبَرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْجَزَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ والكبر لسألوا عن حاله، ولافتقروا إلى مشاهدته لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ جَزَاءِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَلَمَّا أَمْسَكُوا عَنِ السُّؤَالِ، وَلَمْ يَفْتَقِرُوا إِلَى الْمُشَاهَدَةِ دَلَّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ حيوانٌ مخرجٌ بِاسْمِ التَّكْفِيرِ فَوَجَبَ أَلَّا يختلف باختلاف حال ما أتلف من صغر وكبر كَالرَّقَبَةِ فِي كَفَارَّةِ الْقَتْلِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ يَخْلُو من أن يكون جارياً مجرى الكفارات. ومجرى الدِّيَاتِ، فَإِنْ جَرَى مَجْرَى الْكَفَّارَاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ باختلاف الصغير والكبير عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الدِّيَاتِ، فَالدِّيَاتُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فَمِثْلُ الصَّغِيرِ صغيرٌ، وَلَيْسَ الْكَبِيرُ مِثْلًا لِلصَّغِيرِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ.
وَالثَّانِي: بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ.
فَلَمَّا كَانَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ مُعْتَبَرًا حَتَى وَجَبَوَا فِي الضَّبُعِ كَبْشًا، وَفِي الْغَزَالِ عَنْزًا، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةً اعْتِبَارًا بِالْمِثْلِ فِي الْخِلْقَةِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ صَيْدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ مُعْتَبَرًا فَلَا يَجِبْ فِي الصَّغِيرِ مَا يَجِبُ فِي الْكَبِيرِ اعْتِبَارًا بِالْمِثْلِ فِي الْخِلْقَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ صَيْدًا، وَلِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ مُعْتَبَرٌ بِضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْكَفَّارَاتِ وَدِيَاتُ النُّفُوسِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَجِبُ بِالْيَدِ وَبِالْجِنَايَةِ، وَالدِّيَاتُ وَالْكَفَّارَاتُ لَا تَجِبُ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ إِنَّمَا وَجَبَ لِحُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ أَوِ الْإِحْرَامُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي وَجَبَ ضمانها لحرمة المال والكفارات وديات النفوس إنما وجبت لحرمة النفوس دُونَ غَيْرِهَا، وَإِذَا كَانَ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ مُعْتَبَرًا وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَسَائِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute