للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ خَرَجَ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَ فَيُرِيدُونَ بِهِ الرُّجُوعَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ ابْتَدَأَ الخروج، ولأن الغالب في أَمْرِ الْحَاجِّ أَنَّهُمْ يُنْشِئُونَ السَّفَرَ عِنْدَ الْفَرَاغِ وَقَدْ سَامَحَ اللَّهُ الْمُسَافِرَ بِالْإِفْطَارِ فِي الصَّوْمِ الَّذِي وَجَبَ فَرْضُهُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ إِيجَابَ فَرْضٍ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَامَحَهُ فِي تَرْكِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَائِمًا، وَجَازَ أَنْ يَصُومَ بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ لَهُ وَطَنًا كَالْعَائِدِ إِلَى وَطَنِهِ، أَلَا تَرَاهُ قَبْلَ نِيَّةِ مُقَامِهِ يَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَ وَيُفْطِرَ، وَلَا يَجُوزَ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ نِيَّةِ مُقَامِهِ كَالْمُسْتَوْطِنِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ جُبْرَانٌ كَسُجُودِ السَّهْوِ قِيلَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الْجُبْرَانِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، أَوْ عُقَيْبَهَا إِذَا فَاتَ الْجُبْرَانُ بِتَأْخِيرِهِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فَأَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِهِ تَفْوِيتُهُ فَصَوْمُ التَّمَتُّعِ لَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ تَعْجِيلُهُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا وَضَحَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَصُومُهَا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَهَا عَقِيبَ رجوعه، فإن أخر صيامها كان مسيئاً فأجزأه وَلَوْ صَامَهَا قَبْلَ رُجُوعِهِ إِمَّا بِمَكَّةَ أَوْ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ أَعْمَالَ الْأَبْدَانِ إِذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ تَجُزْ وَإِنْ فُعِلَتْ بَعْدَ وَقْتِهَا أَجْزَأَتْ كَالصَّلَاةِ لَا تُجْزِئُ إِذَا قُدِّمَتْ عَلَى وَقْتِهَا وَتُجْزِئُ إِذَا فُعِلَتْ بَعْدَ وَقْتِهَا وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْإِمْلَاءِ إِنَّهُ يَصُومُهَا إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجِّهِ فَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ، إِنَّهُ يَصُومُهَا إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ رَاجِعًا إِلَى بَلَدِهِ فَصَامَهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ وَلَوْ أَخَّرَ صِيَامَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ كَانَ مُسِيئًا وَأَجْزَأَهُ.

وَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ، إِنَّهُ يَصُومُهَا إِذَا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ، فَإِنْ صَامَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجِّهِ، أَوْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ جَمِيعِ رَمْيِهِ لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنْ صَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجِّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي طَرِيقِهِ أَجْزَأَهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا مُتَابَعَةُ صِيَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ، وَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ إذا رجع، فمستحبة، وهو وُجُوبِهَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ:

أَحَدُهُمَا: واجبة، فعلى هذا القول وإن فَرَّقَ صِيَامَهَا لَمْ يُجْزِهِ.

وَالثَّانِي: مُسْتَحَبَّةٌ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَرَّقَ صِيَامَهَا أَجْزَأَهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ، وَلَا السَّبْعَةَ الْأَيَّامِ حِينَ رَجَعَ حَتَّى اسْتَقَرَّ بِبَلَدِهِ وَاسْتَوْطَنَ، فَعَلَيْهِ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ، وَبَيْنَ صِيَامِ السَّبْعَةِ، وَفِي وُجُوبِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لِأَنَّ وُجُوبَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ بِجِهَةِ الزَّمَانِ، وَمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا فِي الْأَدَاءِ بِجِهَةِ الزَّمَانِ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْقَضَاءِ لِفَوَاتِ الزَّمَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>