أحدهما: أن يكون نقصان ضعيف، وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ الْفَرْقَ مَا بَيْنَ الْحُلْوِ وَالْحَامِضِ وَلَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْحُلْوِ وَحَقِيقَةَ الْحَامِضِ، فَذَا نَاقِصُ الْمَذَاقِ وَلَا يَنْحَصِرُ قَدْرُ نُقْصَانِهِ فَيَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمُهُ حُكُومَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الْقَوَدِ وَالضَّعْفِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَذْهَبَ بِهَا بَعْضُ ذَوْقِهِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِهِ فَيَصِيرُ مُدْرِكًا طَعْمَ الْحَامِضِ دُونَ الْحُلْوِ وَطَعْمَ الْمُرِّ دُونَ الْعَذْبِ، فَيَلْزَمُهُ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِ مَا أَذْهَبَ مِنْ مَذَاقِهِ، وَعَدَدُ الْمَذَاقِ خَمْسَةٌ، رُبَّمَا فَرَّعَهَا أَهْلُ الطِّبِّ إِلَى ثَمَانِيَةٍ عَلَى أُصُولِهِمْ لَا نَعْتَبِرُهَا فِي الْأَحْكَامِ، لِدُخُولِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ كَالْحَرَافَةِ مَعَ الْمَرَارَةِ، وَالْخَمْسَةُ الْمُعْتَبَرَةُ الْحُلْوُ، وَالْحَامِضُ، وَالْمُرُّ، وَالْعَذْبُ وَالْمَالِحُ فَتَكُونُ دِيَةُ الذَّوْقِ مُقَسَّطَةً عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ، فَإِنْ أُذْهِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ خُمُسُ الدِّيَةِ، وَفِي الِاثْنَيْنِ خُمُسَاهَا، وَلَا يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا تُقَسَّطُ دِيَةُ الْكَلَامِ عَلَى أَعْدَادِ حُرُوفِهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِنِ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَ ذَوْقِهِ وَأَنْكَرَهُ الْجَانِي فَهُوَ مِنَ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَالشَّمِّ وَالسَّمْعِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مع يمنيه بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهِ فِي غَفَلَاتِهِ بِأَنْ يُمْزَجَ بِحُلْوِ طَعَامِهِ مُرًّا وَبِعَذْبِهِ مِلْحًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَإِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى تَنَاوُلِهَا وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ أَمَارَاتُ كَرَاهَتِهَا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ، وَأُحْلِفَ عَلَى ذَهَابِ ذَوْقِهِ، وَإِنْ كَرِهَهَا وَظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ كَرَاهَتِهَا صَارَ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ، فَيَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى بَقَاءِ ذَوْقِهِ كَمَا قُلْنَا فِي ذَهَابِ الشَّمِّ والسمع والله أعلم،.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَلَامِهِ اعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ ثُمَّ كَانَ مَا ذَهَبَ مِنْ عَدَدِ الْحُرُوفِ بِحِسَابِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ: إِذَا ذَهَبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى اللِّسَانِ بَعْضُ كَلَامِهِ اعْتُبِرَ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنْهُ بِعَدَدِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاءُ جَمِيعِ الْكَلَامِ، وَهِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا إِنْ كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ اعْتُبِرَ عَدَدُ حُرُوفِ كَلَامِهِ، فَإِنَّ حُرُوفَ اللُّغَاتِ مُخْتَلِفَةُ الْأَعْدَادِ وَالْأَنْوَاعِ، فَالضَّادُ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَبَعْضُهَا مُخْتَصٌّ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، وَبَعْضُهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وَبَعْضُ اللُّغَاتِ يَكُونُ حُرُوفُ الكلام، فيها أحد وعشرون حرفاً وبعضها ستة وعشرون حرفاً، وبعضها أحد وَثَلَاثِينَ حَرْفًا، فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا ذَهَبَ مِنَ الْكَلَامِ بِقَدْرِ حُرُوفِ اللُّغَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ يُقَسَّطُ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهَا ثمانية وعشرون حَرْفًا وَأُسْقِطَ حَرْفٌ لَا لِدُخُولِهِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حُرُوفُ الْحَلْقِ وَالشَّفَةِ، هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكُونُ مَا ذَهَبَ مِنَ الْكَلَامِ مُعْتَبَرًا بِعَدَدِ حُرُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute