عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ: أُرَاهُ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ.
فَأَمَّا مَا عَدَا هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْحَضَانَةِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَالْمَنْعِ مِنَ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بالنسب دون الرضاعة وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِالْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنَ النِّسَاءِ: الْوَالِدَةُ وَالْمُرْضِعَةُ وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَالْوَالِدَةُ مُسْتَوْجِبَةٌ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَالْمُرْضِعَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى حُكْمَيْنِ التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمِ وَفِي أَزْوَاجِ الرَّسُولِ وجهان:
أحدهما: يُشَارِكْنَ الْمُرْضِعَةَ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمَ.
وَالثَّانِي: يَنْفَرِدْنَ بالتحريم دون المحرم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ كَمَا تُحَرِّمُ وِلَادَةُ الْأَبِ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ؟ فَقَالَ لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَقَالَ مِثْلَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فَكُلُّ مَا حَرُمَ بِالْوِلَادَةِ وَبِسَبَبِهَا حَرُمَ بِالرَّضَاعِ وَكَانَ بِهِ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اللَّبَنَ يَحْدُثُ بَعْدَ عُلُوقِ الْحَمْلِ لِيَكُونَ غِذَاءً لِلْوَلَدِ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْلُودُ وَلَدًا لِلزَّوْجَيْنِ لِحُدُوثِهِ مِنْ مَائِهِمَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَضَعُ وَلَدًا لَهَا لِاغْتِذَائِهِ بِلَبَنِهَا، لِأَنَّ اللَّبَنَ تَابِعٌ لِلْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَاءَ أَصْلُ خَلْقِهِ، وَاللَّبَنَ حَافِظٌ لِحَيَاتِهِ، وَإِذَا كان كذلك نظر في المولود، فإذا كان لاحقا بِالْوَاطِئِ لِكَوْنِهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ شُبْهَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبِعَهُ الْمُرْتَضَعُ فِي لَبَنِهِ فَكَانَ وَلَدَ رِضَاعٍ لِلْوَاطِئِ وَالْمُرْضِعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ غَيْرَ لَاحِقٍ بِالْوَاطِئِ لِكَوْنِهِ مِنْ زِنًا صَرِيحٍ تَبِعَهُ الْمُرْضَعُ فِي انْتِفَائِهِ عَنِ الْوَاطِئِ، وَكَانَ وَلَدَ رِضَاعٍ لِلْمُرْضِعَةِ دُونَ الْوَاطِئِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَضَعُ تَابِعًا لِلْمَوْلُودِ فِي لُحُوقِهِ وَانْتِفَائِهِ فَإِذَا أُلْحِقَا بِالزَّوْجِ الْوَاطِئِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ نُزُولَ اللَّبَنِ فِي ثَدْيٍ لَبَنٌ يُرْضِعُ بِهِ وَلَدًا فَيَصِيرُ وَلَدَهُ مِنَ الرَّضَاعِ، فَإِذَا أُلْحِقَ وَلَدُ الرَّضَّاعِ بِهِمَا انْتَشَرَتِ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَتِهِمَا إِلَيْهِ فَهِيَ عَامَّةٌ تَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَنْ نَاسَبَهُمَا مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَتَكُونُ الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتِهِ لِأُمٍّ وَأَبَاؤُهَا أَجْدَادَهُ لِأُمٍّ وَإِخْوَتُهَا أَخْوَالَهُ، وَأَخَوَاتُهَا خَالَاتِهِ، وَأَوْلَادُهَا إِخْوَتَهُ، وَأَخَوَاتِهِ فَإِنْ كَانُوا مِنَ الزَّوْجِ فَهُمْ لِأَبٍّ وَأُمٍّ وَإِنْ كَانُوا مِنْهَا دُونَهُ، فَهُمْ لِأُمٍّ وَيَكُونُ الزَّوْجُ الْوَاطِئُ أَبَاهُ وَآبَاؤُهُ أَجْدَادَهُ لِأَبٍّ وَأُمَّهَاتُهُ جَدَّاتِهِ لِأَبٍّ، وَإِخْوَتُهُ أعمامه وأخواته عماته، وأولاد إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، فَإِنْ كَانُوا مِنَ الْمُرْضِعَةِ فَهُمْ لِأَبٍّ وَأُمٍّ، وَإِنْ كَانُوا مِنْهَا دُونَهَا فَهُمْ لِأَبٍّ فَيَحْرُمُ مِنْ أَقَارِبِ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ من أقارب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute