أَحَدُهُمَا: لَا رَجْعَةَ لَهُ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا عِدَّةُ مَنْ وَطِئَ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَمْلِ حُدَّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الرَّجْعَةُ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَقَّبَ الْحَمْلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ جَرَى عَلَى مُدَّةِ الْحَمْلِ أَحْكَامُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الحمل لم يجد وَإِنْ رَأَتْ عَلَى الْحَمْلِ دَمًا وَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ عَلَى الْحَمْلِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ فَإِنْ سَبَقَ وَضْعَ الْحَمْلِ انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الْوَطْءِ وَأَتَتْ بِالْبَاقِي مِنْ أَقْرَاءِ الطَّلَاقِ، وَكَانَ فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْوَطْءِ عَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ سَبَقَتِ الْأَقْرَاءُ عَلَى وَضْعِ الْحَمْلِ انْقَضَتْ بِهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَانْقَضَتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِدَّةُ الْوَطْءِ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ الْأُولَى عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَالْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ عَنْ عَقْدِ نِكَاحٍ، فَصُورَتُهُ فِي رَجُلٍ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا سَقَطَتْ عِدَّةُ الْوَطْءِ بِدُخُولِهِ، وَعَلَيْهَا إِنْ طَلَّقَ أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ مِنْ طَلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَهَلْ تَكُونُ مُدَّةُ النِّكَاحِ قَاطِعَةً لِعِدَّةِ الْوَطْءِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَخَرَجَ بِهِ عَنِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ عِدَّةُ الْوَطْءِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ حَتَّى يَطَأَ فِيهِ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَجَعَلَهَا فِي مُدَّةِ النِّكَاحِ جَارِيَةً فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُطَّرِدُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عِدَّةَ الْوَطْءِ قَدِ انْقَطَعَتْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ فِيهِ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِهِ فِرَاشًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِرَاشًا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ وَخَالَفَتِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِرَاشًا فِيهِ إِلَّا بِالْوَطْءِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ الْعِدَّةُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَطَعَ الْعَقْدُ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْعِدَّةِ أَكْمَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ عِدَّةَ الْوَطْءِ وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَحَلَّتْ بَعْدَهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مِنَ الطَّلَاقِ عِدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ تَجَرَّدَ عَنْ دُخُولٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّتَانِ عَنْ عَقْدَيْنِ، فَصُورَتُهُ فِي رَجُلٍ خَالَعَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْمُزَنِيُّ خِلَافًا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، فَإِنْ طَلَّقَ فِي هَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي لَمْ يَخْلُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدْ سَقَطَ بِالدُّخُولِ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فِي الْخُلْعِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّانِي وَإِن لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي حَتَّى طَلَّقَ وَلَمْ يُلْزِمْهَا فِيهِ عِدَّةً، وَلَمْ يُسْقِطْ بِهِ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَأَسْقَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ لَزِمَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute