للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا تُوجِبُ الْقَوَدَ فَلِلرَّاهِنِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَطْلُبَ الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الْمَالِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ وَعَنِ الْمَالِ، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَا يُصَرِّحَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمَالِ.

فَأَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى: وَهِيَ أَنْ يَطْلُبَ الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَا يَأْخُذَ الْمَالَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنَ الْقِصَاصِ وَجَبْرُهُ عَلَى أَخْذِ المال، وأما الحال الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الْمَالِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنَ الْمَالِ وَجَبْرُهُ عَلَى الْقِصَاصِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ وَعَنِ الْمَالِ فَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَلْ يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْمَالِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا قَابَلَ ضَمَانَ الْغَصْبِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ في جناية العمد ما الذي توجب؟ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ.

فَأَمَّا الْمَالُ فَلَا يَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَالِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا تُوجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ، إِمَّا الْقَوَدُ أَوِ الْمَالُ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْمَالِ لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ: وَهُوَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَا يُصَرِّحَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمَالِ وَلَا يَخْتَارَهُ، فَقَدْ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِ وَفِي الْمَالِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ إِذَا قِيلَ إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقَوَدَ أَوِ الْمَالَ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنِ الْآخَرِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ وَقَدْ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمَالَ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ لَا يَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَالِاخْتِيَارُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فَيَجِبُ الْمَالُ بِهِ وَقَدْ سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ عَفْوِهِ.

(فَصْلٌ)

قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَأَمَّا جِنَايَةُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ ضَمَانَ غَصْبٍ لِمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّرْ ذَلِكَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ كَانَ النَّاقِصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَطْعِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ النِّصْفُ، وَقَدِ اسْتَوَى النَّقْصُ بِهَا وَالْمُقَدَّرُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ النَّاقِصُ بِالْقَطْعِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثُّلُثُ وَيَكُونُ النَّقْصُ بِهَا أَقَلَّ مِنَ الْمُقَدَّرِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ النَّاقِصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَطْعِ ثُلْثَا الْقِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثُّلُثَانِ وَيَكُونُ النَّقْصُ بِهَا أَكْثَرَ مِنَ الْمُقَدَّرِ فِيهَا، فَإِنْ قِيلَ: أَفَيَجِبُ على السيد بجناية أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِجِنَايَتِهِ؟ قِيلَ: لَمَّا اخْتَلَفَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى السَّيِّدِ بِالْغَصْبِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>