(فَصْلٌ:)
وَإِذَا تَلَفَّظَ بِالرَّجْعَةِ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ رَاجَعْتُكِ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ مِنَ الْأَذَى صَحَّتِ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُ مَحَبَّتَكِ أَوْ رَاجَعْتُ بغضك لم تصح الرجعة؛ لأن الرجعة ها هنا إِلَى الْمَحَبَّةِ، وَهُنَاكَ إِلَى النِّكَاحِ، لِأَجْلِ الْمَحَبَّةِ، وَلَوْ قَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ رَجْعَتَكِ أَوْ قَالَ: شِئْتُ رَجْعَتَكِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَدِ اخْتَارَ أَوْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا مِنْ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَجْعَةً؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ إِرَادَتِهِ لَا عَنْ رَجْعَتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ لِذَلِكَ الرَّجْعَةَ فِي الْحَالِ، وَأَنَّهُ اخْتَارَ بِذَلِكَ عَقْدَهَا فَفِي صِحَّةِ رَجْعَتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الرَّجْعَةِ أَوْكَدُ فِي صِحَّتِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يصح؛ لأنه لما صار محتملاً يُسْأَلَ عَنْهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ التَّصْرِيحِ إِلَى الْكِنَايَةِ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ؛ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَكَحَهَا بَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا، وَهَلْ يَكُونُ رَجْعَةً أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِذَا قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ قَدْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، وَالْعُقُودُ إِذَا عُلِّقَتْ بِشُرُوطٍ مُتَرَتِّبَةٍ، لَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ إِنْ جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ.
وَلَوْ قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُكِ إِذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِمُدَّةٍ مُنْتَظَرَةٍ.
فَإِنْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ أَمْسَ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِهَا عَنْ رَجْعَةٍ كَانَتْ مِنْهُ بِالْأَمْسِ فَيَكُونَ إِقْرَارًا بِالرَّجْعَةِ، وَلَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ رَجْعَةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى مُوجِبِهَا مِنَ الطلاق حتى تستأنفها بعد الطلاق، والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (فَإِنْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَنْوِيهَا فَهُوَ جِمَاعُ شُبْهَةٍ وَيُعَزَّرَانِ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتِ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ وَقَدِ انْقَضَتْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَسَّهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لَوْ كَلَّمَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ، أَرَادَ بِهِ مَالِكًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا أَوْ لم ينو بها أَرَادَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ، فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ، لَا اخْتِلَافَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute