للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الِارْتِهَانِ لَهُ فِي دَيْنِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الرَّهْنُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِيمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنٍ مُتَقَدِّمٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يكون في دين مستحدث.

فأما إن كَانَ الدَّيْنُ مُتَقَدِّمًا فَقَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رَهْنٍ. فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ إِعْطَاءَ رَهْنٍ مِنْ مَالِهِ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ يَتَطَوَّعُ فِي مَالِهِ. بِإِخْرَاجِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَحْدَثًا عَنْ عَقْدٍ فَشَيْئَانِ: ابْتِيَاعٌ وَاقْتِرَاضٌ.

فَأَمَّا الِابْتِيَاعُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَى شِرَاءِ مَا ابْتَاعَهُ لَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَ عَلَيْهِ رَهْنًا. وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى شِرَاءِ مَا ابْتَاعَهُ لَهُ أَوْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ لَهُ.

فإن كان واجدا لثمنه ابتاعه نَقْدًا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَاعَهُ نَسَاءً لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي ابْتِيَاعِهِ بِالنَّقْدِ تَوْفِيرًا عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَ الْمَالُ وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا عَلَيْهِ، فَإِذَا ابْتَاعَهُ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ مَعَ الثَّمَنِ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الْمَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ، فَلَمْ يُؤْمَنْ تَلَفُ الرَّهْنِ مِنْ مَالِهِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الثَّمَنُ.

فَهَذَا حُكْمُ مَا ابْتَاعَهُ لَهُ بِالنَّقْدِ وَذَلِكَ يَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا، أَوْ جَارِيَةٍ يستخدمها أو ثوب يلبسه أو طعام يأكله.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَظٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، كَالْأَمْتِعَةِ لِلتِّجَارَةِ، وَالْعَقَارَاتِ الْمُسْتَصْلَحَةِ.

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِلثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلى مالا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ مَأْكُولٍ، أَوْ لِبَاسٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ. فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ بِالنَّسِيئَةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي مَالِهِ مَا يَبْتَاعُهُ لَهُ بِالنَّقْدِ. فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَبْتَاعُ مِنْهُ بِالنَّسَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِذَلِكَ رَهْنًا فَعَلَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا بِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ رَهْنًا بِهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبِيعُهُ بِالنَّسَاءِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا جَازَ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَمَا دُونَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَزْيَدَ قِيمَةً مِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>