للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقُ، وَإِنْ أَخَّرَتْ دَفْعَ الْأَلْفِ إِمَّا لِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِأَنْ غَابَ أَوْ هَرَبَ، وَإِمَّا لِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا بِأَنْ أَبْطَأَتْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ دَفْعَ الْأَلْفِ قَدْ صَارَ شَرْطًا فِي الْخُلْعِ فَرُوعِيَ فِيهِ الْفَوْرُ كَالْقَبُولِ لَكِنَّ الْفَوْرَ فِيهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْجَوَابِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ يَسِيرَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ وَالْمَشِيئَةَ قَوْلٌ وزمان الفعل أوسع ومن زَمَانِ الْقَوْلِ.

ثُمَّ نَقَلَ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ مَعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا مَسْأَلَةً ثَالِثَةً أغفلها المزني ها هنا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ ضَمِنَتْهَا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْحَالِ طُلِّقَتْ سَوَاءً دَفَعَتْهَا فِي الْحَالِ، أَوْ أَخَّرَتْهَا، وَإِنْ لَمْ تَضْمَنْهَا عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى تَرَاخَى الْوَقْتُ لَمْ تُطَلَّقْ سَوَاءً دَفَعَتْهَا فِي الْحَالِ، أَوْ أَخَّرَتْهَا، لِأَنَّ شَرْطَ الْخُلْعِ هُوَ الضَّمَانُ دُونَ الدَّفْعِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَ تعجيل الضمان، ولم يراعى تعجيل الدفع والفور ها هنا مُعْتَبَرٌ بِفَوْرِ الْقَبُولِ بَعْدَ الْبَذْلِ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُمَا، وَإِنْ كَانَا مَعًا بِالْقَوْلِ فَالضَّمَانُ قَبُولٌ مَحْضٌ فَسَاوَاهُ، وَالْمَشِيئَةُ جَارِيَةٌ مَجْرَاهُ فَصَارَ تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ مَتَى عُلِّقَ الْخُلْعُ بِدَفْعِ الْأَلْفِ رُوعِيَ فِيهِ خِيَارُ الْجَوَابِ فَجَازَ بَعْدَ مُهْلَةٍ يَسِيرَةٍ، وَإِنْ عُلِّقَ بِضَمَانِ الْأَلْفِ رُوعِيَ فِيهِ خِيَارُ الْقَبُولِ، فَلَمْ يَجُزْ بَعْدَ مُهْلَةٍ يَسِيرَةٍ وَإِنْ عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُرَاعَى فِيهِ خِيَارُ الْجَوَابِ كَالدَّفْعِ.

وَالثَّانِي: يُرَاعَى فِيهِ خِيَارُ الْقَبُولِ كَالضَّمَانِ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَ حرف الشرط بأن وإذا، فَهُمَا مَعًا حَرْفَا شَرْطٍ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي خُلْعٍ يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْعِوَضُ فَيَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِنْ شِئْتِ، أَوْ يَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِذَا شِئْتِ، فَهُمَا سَوَاءٌ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ: وَ (إِذَا) ، لِأَنَّ دُخُولَ الْعِوَضِ فِيهِ يَجْعَلُهُ تَمْلِيكًا يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُ الْقَبُولِ فَاسْتَوَى حُكْمُ إذا وإن فِي اعْتِبَارِ الْفَوْرِ فِيهِمَا فَإِنْ تَرَاخَى الْوَقْتُ فِي أَحَدِهِمَا بَطَلَ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ خُلْعٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، رُوعِيَ مَشِيئَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ تَرَاخَتْ بَطَلَتْ، وَلَمْ تُطَلَّقْ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا شِئْتِ صَحَّتْ مَشِيئَتُهَا عَلَى التَّرَاخِي، فَمَتَى شَاءَتْ طُلِّقَتْ، لِأَنَّهُمَا وإن كانا حرفي شرط (فإن) شَرْطٌ فِي الْفِعْلِ، وَ (إِذَا) شَرْطٌ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ تَأْتِنِي آتِكَ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا تَأْتِينِي آتِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ إِنْ شَرْطًا فِي الْفِعْلِ، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>