للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالسِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ. قُلْنَا: التَّمَاثُلُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الِادِّخَارِ، وَالسِّمْسِمُ مُدَّخَرٌ فَصَحَّ التَّمَاثُلُ فِيهِ وَالرُّطَبُ غَيْرُ مُدَّخِرٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّمَاثُلُ فِيهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْعَرَايَا فَهُوَ أَنَّ الْعَرَايَا وَإِنْ جَوَّزْنَاهَا لِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ لَهَا فَلِأَنَّنَا اعْتَبَرْنَا الْمُمَاثَلَةَ حَالَ الِادِّخَارِ وَأَنْتُمْ أَسْقَطْتُمُ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ حَالَ الِادِّخَارِ، ثُمَّ الْمُمَاثَلَةُ مَأْخُوذَةٌ بِالشَّرْعِ فَوَرَدَ الشَّرْعُ فِي مُمَاثَلَةِ الْعَرَايَا بِالْخَرْصِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْكَيْلِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ بِالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ، وَالْفَوَاكِهُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهَا بِيَابِسِهَا.

فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَ بَيْعُ يَابِسِ أَحَدِهِمَا بِرَطْبِ الْآخَرِ، وَرَطْبِ أَحَدِهِمَا بِرَطْبِ الْآخَرِ.

وَأَمَّا النَّوْعَانِ مِنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَالرُّطَبِ الْبَرْنِيِّ وَالرُّطَبِ الْمَعْقِلِيِّ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. لَا يَجُوزُ بيع تمر أحدهما برطب الآخر.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُمَا فِي الْمُتَعَقَّبِ مَجْهُولَا الْمِثْلِ تَمْرًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ وَالْمُزَنِيُّ يَجُوزُ. اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الرُّطَبَ أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ فَجَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رُطَبًا وَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ يُبْسِهِ كَاللَّبَنِ. وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الرُّطَبِ إِذَا بِيعَ بِالرُّطَبِ مِنْ طَرَفَيْهِ جَمِيعًا فَتَسَاوَيَا فِي حَالِ كَوْنِهِمَا رَطْبًا وَتَسَاوَيَا بَعْدَ جَفَافِهِمَا تَمْرًا.

فَلَمَّا جَازَ بَيْعُهُمَا تَمْرًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْجَفَافِ جَازَ بَيْعُ رَطْبِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرُّطُوبَةِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ . قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا إذًا ". فَجَعَلَ عِلَّةَ الْمَنْعِ حُدُوثَ النُّقْصَانِ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ كَوُجُودِهِمَا فِي بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّقْصُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مَانِعًا مِنَ الْبَيْعِ كَانَ النَّقْصُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْبَيْعِ. وَلِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ لِنُقْصَانِ الرُّطَبِ إِذَا صَارَ تَمْرًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَقْصُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِ الْآخَرِ إِذَا صَارَ تَمْرًا وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَخْتَصُّ بِمَالِكٍ وَالْمُزَنِيِّ وَمَنْ وَافَقَنَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بالرطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>