للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُنَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ مُتَسَاوِيَيْنِ كَالْحِنْطَةِ بِالْعَجِينِ وَالْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ طَحْنَ الدَّقِيقِ صَنْعَةٌ يُعَاوَضُ عَلَيْهَا فَصَارَ فِي خُبْزِ الدَّقِيقِ عِوَضٌ لَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ جَفَافُ التَّمْرِ بِصَنْعَةٍ يُعَاوَضُ عَلَيْهَا فَجَازَ بَيْعُهُ بِالرُّطَبِ. قِيلَ: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَجَازَ عَلَى أَصْلِكُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ حَتَّى يُجِيزُوا بَيْعَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ لِيَكُونَ صَاعٌ بِصَاعٍ وَالصَّاعُ الْفَاضِلُ مِنَ الْحِنْطَةِ بِإِزَاءِ مَا فِي الدَّقِيقِ مِنَ الصَّنْعَةِ، فَلَمَّا لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّكُمْ لَمْ تَجْعَلُوا لِلصَّنْعَةِ قِيمَةً.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّنْعَةَ لَا تَقُومُ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَلَا تَأْثِيرَ لِدُخُولِهَا فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ ابْتَاعَ حُلِيًّا مَصْبُوغًا بِذَهَبٍ مَسْبُوكٍ جَازَ إِذَا تَمَاثَلَا وَلَا يَكُونُ وُجُودُ الصَّنْعَةِ فِي أَحَدِهِمَا دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا، كَذَلِكَ الدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ لَيْسَ الْمَنْعُ مِنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِ مَا فِي الدَّقِيقِ مِنَ الصَّنْعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ أَنَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِلَافِهِمَا فِي حَالِ الِادِّخَارِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ جِنْسًا أَوْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ تَقَابَلُوا بِمِثْلِهِ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ ثُمَّ يُقَالَ هُمَا وَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَقَدِ اخْتَلَفَا فِي حَالِ الِادِّخَارِ فَهُنَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ نُقْصَانَ الرُّطَبِ إِذَا صَارَ تَمْرًا كَنُقْصَانِ الْحَدِيثِ إِذَا صَارَ عَتِيقًا ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْ حُدُوثُ النُّقْصَانِ مِنْ بَيْعِ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ، كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ فِي بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدِيثَ وَالْعَتِيقَ قَدْ بَلَغَا حَالَ الِادِّخَارِ فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ نَقَصَا فِيمَا بَعْدُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّطَبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَالَ الِادِّخَارِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نُقْصَانَ الْحَدِيثِ إِذَا صَارَ عَتِيقًا يسير لَا يُضْبَطُ فَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَالْفَضْلِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ وَالْوَزْنَيْنِ لَمَّا كَانَ يَسِيرًا لَا يُضْبَطُ عُفِيَ عَنْهُ، وَنُقْصَانُ الرُّطَبِ كَثِيرٌ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الطَّعَامِ الْحَدِيثِ بِالطَّعَامِ الْعَتِيقِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ أَنْدَى وَالْعَتِيقُ أَيْسَرُ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ مَبْلُولًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالطَّعَامِ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا كَثِيرٌ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ التَّمَاثُلَ مُعْتَبَرٌ حَالَ الْعَقْدِ وَإِنْ حَدَثَ التَّفَاضُلُ فيما بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>