بِحُكْمِ الصِّفَةِ فِي قَوْلِهِ: (فَإِذَا أَدَّيْتُمْ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ) فَوَجَبَ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُمْ: إِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ. لَمْ يَعْتِقُوا حَتَّى يَدْفَعُوا جَمِيعَ الْأَلْفِ، وَلَوْ دَفَعُوهَا إِلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَعْتِقُوا. وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهُمْ: إِذَا دَخَلْتُمُ الدَّارَ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ. لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِدُخُولِهِ، حَتَّى يَدْخُلُوهَا جَمِيعًا، فَيَعْتِقُوا حِينَئِذٍ.
كَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةٌ وَصِفَةٌ فَإِذَا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ وَإِذَا فَسَدَتْ غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَ مُكَاتَبَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْأَدَاءِ وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فَأَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إِلَى وَلَدِهِ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فَبَطَلَ مَا قَالَاهُ، وَخَالَفَ مُجَرَّدَ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
فَصْلٌ
وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كِتَابَةَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلَةٌ فَسَدَ حُكْمُ الْعِوَضِ فِيهَا، وَبَقِيَ حُكْمُ الصِّفَةِ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْفَعَهَا، وَيُسْقِطَ حُكْمَهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، ارْتَفَعَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ، وَلَمْ يَعْتِقُوا بِالْأَدَاءِ فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَقَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُ هَذَا الْحُكْمِ وَإِسْقَاطُهُ وَمَتَى دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ عَتَقَ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ رُجُوعُ السَّيِّدِ، وَإِبْطَالُهُ لِلصِّفَةِ فَهَلَّا كَانَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ مَمْنُوعًا مِنْ إِبْطَالِهَا، وَالرُّجُوعِ فِيهَا.
قِيلَ: الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ وُقُوعَ الْعِتْقِ بِمُجَرَّدِ الصِّفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُ مَا الْتَزَمَ، وَهُوَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إِنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعِتْقَ بِالصِّفَةِ عَلَى شَرْطِ الْعِوَضِ الَّذِي كَاتَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَ مَا شَرَطَ مِنَ الْعِوَضِ أَسْقَطَ مَا تَعَلَّقُ بِالصِّفَةِ مِنَ الِالْتِزَامِ فَافْتَرَقَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَيُبْطِلَهَا، أَوْ يُقِرَّهَا عَلَى حَالِهَا.
فَإِنْ رَجَعَ فِيهَا وَأَبْطَلَهَا سَقَطَ حُكْمُ الصِّفَةِ فَإِنْ أَدَّى هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ مَالَ كِتَابَتِهِمْ لَمْ يَعْتِقُوا وَكَانُوا عَلَى رِقِّهِمْ، وَمَا اسْتَأْدَاهُ السَّيِّدُ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ وَهُوَ مَالِكٌ لِأَكْسَابِهِمْ.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ فِي كِتَابَتِهِمْ، وَلَا أَبْطَلَ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَدَّوْا جَمِيعًا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، عَتَقُوا بِوُجُودِ الصِّفَةِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ أَدَّوْا فَعَتَقُوا لَا يَوْمَ كُوتِبُوا بِخِلَافِ تَقْوِيمِهِمْ، لَوْ صَحَّتْ كِتَابَتُهُمْ، لِأَنَّ يَدَ السَّيِّدِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمْ فِي الْكِتَابَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute