وَالثَّانِي: أَنَّ جَهَالَةَ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ تَجْعَلُ الْأَجَلَ مَجْهُولًا وَهَذَا بَاطِلٌ.
فَأَمَّا احْتِجَاجُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمُشْتَرِي غَلَبَةُ شَهْوَتِهِ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْعَدْلِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدِهِ وَمَوْجُودٌ فِي الْقَبِيحَةِ إِذَا سُلِّمَتْ إِلَى الْمُشْتَرِي فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا مِنْ تَسْلِيمِ الْوَحْشَةِ إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْجَمِيلَةِ إِلَيْهِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عَلَى يَدَيْهِ فَلَا يَخْلُو حَالُ اسْتِبْرَائِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تستبرأ عَلَى يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ الِاسْتِبْرَاءُ وَتَصِيرُ مَضْمُونَةً على المشتري بالقبض.
والقسم الثاني: أن تستبرأ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَيُجْزِئُ هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فَأَمَّا ضَمَانُهَا فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنِ اخْتَارَ الْعَدْلَ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
إِمَّا أَنْ يَخْتَارَهُ الْبَائِعُ فَتَكُونَ الْأَمَةُ فِي ضَمَانِهِ، لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَمَّنِ اخْتَارَهُ. وَإِمَّا أَنْ يَخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي فَتَكُونَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَارَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَتَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ لَمْ تَزَلْ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تُسْتَبْرَأَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَصِحُّ هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ.
وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَصِحُّ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا الْمُشْتَرِي فِي يَدِهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ فِي مِلْكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ فَكُلُّ مَنِ اسْتَحْدَثَ مِلْكَ أَمَةٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ سَبْيٍ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ أَمْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَيَحْرُمُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ اسْتِخْدَامُهَا.
وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا سِوَى الْوَطْءِ مِنَ الْقُبْلَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْأَمَةِ: فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا مِنْ قَبْلُ لِسَيِّدٍ أَوْ زَوْجٍ حَرُمَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ أَوْ فِي بَقَايَا عِصْمَةٍ مِنْ زَوْجٍ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا يُوجِبُ لُحُوقَ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ كَالَّتِي لَمْ يَطَأْهَا سَيِّدٌ وَلَا زَوْجٌ أَوْ كَالسَّبَايَا لَمْ يُحْرَمِ الِاسْتِمْتَاعُ بِقُبْلَتِهَا وَمُضَاجَعَتِهَا وَإِنْ حُرِّمَ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَكَانَتْ بِهِ أَمَةٌ مُبَاحَةٌ بِخِلَافِ الْمُسْتَفْرَشَةِ الَّتِي ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَكَانَتْ عَلَيْهِ مُحَرَّمَةٌ فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ فَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْعَدَدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ:
فَلَوِ ابْتَاعَ أَمَةً وَكَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تكمل مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ