وَالثَّالِثُ: أَنْ تَهَبَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ فَإِنْ وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا كَمَا وَهَبَتْ سَوْدَةُ يَوْمَهَا لعائشة - رضي الله تعالى عنها - جاز ولم يعتبر فيه رضى الْمَوْهُوبِ لَهَا فِي تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَمَا لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي زَمَانِ نَفْسِهَا فَيَصِيرُ لَهَا يَوْمُ نَفْسِهَا، وَيَوْمُ الْوَاهِبَةِ وَهَلْ يَجْمَعُ الزَّوْجُ لَهَا بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ أَوْ تَكُونُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الِافْتِرَاقِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجْمَعُ لَهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يُفَرِّقُهُمَا كَمَا لَا يُفَرِّقُ عَلَيْهَا يَوْمَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَانِ عَلَى تَفْرِيقِهِمَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ نَفْسِهَا فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْوَاهِبَةِ عَلَى تَرْتِيبِهِ جَعَلَهُ لَهَا وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَا فِي التَّرْتِيبِ مُفْتَرِقَيْنِ، لِأَنَّهَا قَدْ أُقِيمَتْ فِيهِ مَقَامَ الْوَاهِبَةِ فَلَمْ يَعْدِلْ بِهِ عَنْ زَمَانِهِ كَمَا لَا يَعْدِلُ بِهِ عَنْ مِقْدَارِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ وَأَمَّا إِنْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِجَمِيعِ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخُصَّ بِهِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا فَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِهِ قَسْمُ غَيْرِهَا، وَيَكُونُ حَالُ الْقَسْمِ بَعْدَ هِبَتِهَا كَحَالِهِ لَوْ عَدِمَتْ فَيَصِيرُ مُؤَثِّرًا فِي إِسْقَاطِ حَقِّهَا، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي زِيَادَةِ حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ تَأْثِيرُهُ إِذَا كُنَّ مَعَ الْوَاهِبَةِ أَرْبَعًا إِنْ كَانَ يَعُودُ يَوْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَارَ يَعُودُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَأَمَّا إِنْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِزَوْجِهَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَوْمَهَا لِمَنْ أَرَادَ مِنْ نِسَائِهِ، فَإِذَا جَعَلَهُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا اخْتَصَّتْ بِالْيَوْمَيْنِ دُونَ غَيْرِهَا، وَفِي جَمْعِهِ وَتَفْرِقَتِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَنْقُلَ يَوْمَ الْهِبَةِ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ إِلَى أُخْرَى جَازَ فَيَجْعَلُ يَوْمَ الْهِبَةِ فِي هَذِهِ النَّوْبَةِ لِعَمْرَةَ وَفِي النَّوْبَةِ الْأُخْرَى لِحَفْصَةَ وَفِي النَّوْبَةِ الثَّالِثَةِ لِهِنْدٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى خِيَارِهِ، لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا مَنْ شَاءَ.
فَصْلٌ
فَإِذَا رَجَعَتِ الْوَاهِبَةُ فِي هبتها، وطالبت الزوج بالقسم لها سقط حقا فِيمَا مَضَى، لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ وَقَسَمَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّهَا رَجَعَتْ فِي هِبَةٍ لَمْ تُقْضَ فَلَوْ رَجَعَتْ فِي تَضَاعِيفِ يَوْمِهَا، وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ كَانَتْ أَحَقَّ بِبَاقِيهِ مِنَ الَّتِي صَارَ لَهَا وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيهِ إِلَيْهَا، فَلَوْ رَجَعَتِ الْوَاهِبَةُ فِي يَوْمِهَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الزَّوْجُ بِرُجُوعِهَا حَتَّى مَضَى عَلَيْهِ زَمَانٌ ثُمَّ علم قال الشافعي: " لم يقضيها مَا فَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ الْقَسْمَ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهِ ".
وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يقصد الممايلة لغيرها.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَسْمِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَصَاعِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute