فَصْلٌ
: وَالرَّابِعُ: أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ فِيهِ تَقْبِيلًا، وَزِيَادَةَ سُجُودٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: السُّجُودُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ، وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدِمَ مَكَّةَ مسبداً رأسه، فقبل الْحَجَرَ، ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَذَلِكَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّسْبِيدُ، تَرْكُ التَّدَهُّنِ والغسل.
: وَالْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ " بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا لِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بَعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَفَرْتُ بِالطَّاغُوتِ وَبِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا ادُّعِيَ دُونَ اللَّهِ إِنَّ ولي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ". وَمَا قَالَ مِنْ ذِكْرٍ اللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ فَحَسَنٌ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ، فَجَمِيعُهَا سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إِلَّا مُحَاذَاةَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَا غَيْرَ، فَإِنْ كَانَتْ زَحْمَةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ إِلَّا بِزِحَامِ النَّاسِ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ إِنْ صَبَرَ يَسِيرًا خَفَّ الزِّحَامُ، وَأَمْكَنَهُ الِاسْتِلَامُ صَبَرَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزِّحَامَ لَا يَخِفُّ، تَرَكَ الِاسْتِلَامَ وَلَمْ يُزْحِمِ النَّاسَ وَأَشَارَ إِلَيْهِ رَافِعًا لِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا. وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ، أَنَّ الزِّحَامَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ. فَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نُزَاحِمُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الرُّكْنِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ زَاحَمَ الْإِبِلَ لَزَحَمَهَا. وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ استلام الركن فقال: استلمه يابن أَخِي وَزَاحِمْ عَلَيْهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْمَى.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الزِّحَامَ مَكْرُوهٌ، رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، فَإِنْ كَانَ خَالِيًا فاستلمه، وإلا فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ ". وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ لَا تُؤْذِي وَلَا يُؤْذَى، لَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي زَاحَمَ عَلَى الحجر نجا منه كفافاً.
: أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يُخْتَارُ لَهُنَّ الِاسْتِلَامُ وَلَا التَّقْبِيلُ، إِذَا حَاذَيْنَ الْحَجَرَ، أَشَرْنَ إِلَيْهِ. قَدْ رَوَى عَطَاءٌ " أَنَّ امْرَأَةً طَافَتْ مَعَ عَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَتِ الرُّكْنَ قَالَتِ الْمَرْأَةُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْتَلِمِينَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَمَا لِلنِّسَاءِ وَاسْتِلَامِ الرُّكْنِ امْضِ عَنْكِ، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ عَلَى مَوْلَاةٍ لَهَا. فَإِنْ أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ، فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ خلو الطواف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute