فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَرْعَ الدَّارِ وَأَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ صَحَّ الْبَيْعُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِلَّا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى سَهْمٍ مِنْهَا كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ عُشْرٍ.
وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ قَدِ اشْتَرَيْتُ عُشْرَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَدِ اشْتَرَيْتُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَهِيَ أَلْفُ ذِرَاعٍ فِي أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عُشْرُهَا. فَأَمَّا إِنْ جَهِلَا مَبْلَغَ ذَرْعِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِنْهَا يَصِيرُ مَجْهُولَ الْقَدْرِ، إِذْ لَيْسَ يَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا أَوْ عُشْرًا.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارُ إِلَّا مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ إِنْ جَهِلَا مَبْلَغَ ذَرْعِهَا وَجَازَ إِنْ عَلِمَاهُ. وَلَوْ قَالَ قَدِ ابْتَعْتُ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ هَذِهِ مَحُوزَةً عَلَى أَنْ تُذْرِعَ لِي مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شِئْتَ مِنْهَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ قِيَمِ أَمَاكِنِهَا، بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ الَّتِي تُسْتَثْنَى، وَأُقِيمَ جَمِيعُهَا، وَجَرَى مَجْرَى مَنِ ابْتَاعَ بطيخا أو رمانا عددا قبل أن يجوزه فَبَطَلَ بَيْعُهُ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ ذَلِكَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبْرِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ. وَلَكِنْ لَوْ قَالَ قَدِ ابْتَعْتُ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَلَى أَنْ تُذْرِعَ لِي مِنْ مُقَدَّمِهَا أَوْ قَالَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُذْرِعُ ذَلِكَ لَهُ فِي عَرْضِ الدَّارِ كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْتَمِسَ مِنْ مُقَدَّمِهَا طُولًا مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءِ الْعَرْضِ.
وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مُسْتَوْفِي الْمِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ مُقَدَّمِهَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَا الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الذَّرْعُ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحُوزًا. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَوْضِعَ الِانْتِهَاءِ في صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ تَعْيِينَ الِابْتِدَاءِ يُفْضِي إِلَى مَعْرِفَةِ الِانْتِهَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ مَشَاعًا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا مَحْدُودًا بِالْإِجَازَةِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا بَيْعُ الثِّيَابِ عَدَدًا وَذَرْعًا فَيُنْظَرُ: فَإِنَّ بِيعَ الثَّوْبِ مُذَارَعَةً كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ سَوَاءً عَلِمَا مَبْلَغَ ذَرْعِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ جَهِلَاهُ وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبَغْدَادِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مُذَارَعَةً وَهُوَ حُجَّةُ الْبَصْرِيِّينَ عَلَيْهِمْ. فَلَوْ تَبَايَعَا الثَّوْبَ مُذَارَعَةً كُلُّ ذِرَاعٍ بدرهم على أنه عشرة أذرع فنقص ذراعا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهِ نَاقِصًا بِحِسَابِهِ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ فَسْخِهِ، وَلَوْ زَادَ ذراعا كان في بيعه قولان: كَالْأَرْضِ فَلَوْ بَاعَهُ ذِرَاعًا مِنَ الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ عَلِمَا ذَرْعَ جَمِيعِهَ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَرْعَ جَمِيعِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا مَوْضِعَ الذِّرَاعِ الْمَبِيعِ مِنَ الثَّوْبِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا. فَإِنْ عَيَّنَاهُ فَإِنْ قَدَّرَاهُ وَعَلِمَا انْتِهَاءَهُ جَازَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجُوزُ لِمَا فِي قَطْعِهِ مِنْ إِدْخَالِ النَّقْصِ فِي الذِّرَاعِ الْمَبِيعِ وَالثَّوْبِ الْبَاقِي وَهَذَا تَعْلِيلٌ يُفْضِي إِلَى نَقْصٍ فِي جَمِيعِ الْمُبَاعَاتِ لِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ قِسْمَتِهَا الْمُفْضِي إِلَى نَقْصِ الْحِصَصِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مطْرحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute