للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مختصر كتابي المدبر من جديد وقديم

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ عَبْدٌ قِبْطِيٌّ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ زاد أبو الزبير يقال له يعقوب (قال الشافعي) وباعت عائشة مدبرة لها سحرتها وقال ابن عمر المدبر من الثلث وقال مجاهد المدبر وصية يرجع فيه صاحبه متى شاء وباع عمر بن عبد العزيز مدبر في دين صاحبه وقال طاوس يعود الرجل في مدبره) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّدْبِيرُ: فَهُوَ عِتْقٌ يُعَلِّقُهُ السَّيِّدُ بِمَوْتِهِ، فَيَقُولُ لِعَبْدِهِ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَيَقُولُ: أَنْتَ حُرٌّ بِمَوْتِي أَوْ يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ.

وَاخْتَلَفَ فِي تَسْمِيَتِهِ تَدْبِيرًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي دُبُرِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ آخِرُهَا.

وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَدْبِيرَ عِتْقِهِ إِلَى غَيْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ حَيَاتِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ، وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِعِتْقِهِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ابْتِدَائِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَقَرَّهُ الشَّرْعُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَصَارَ بِالْإِقْرَارِ شَرْعًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ فِي الْإِسْلَامِ بِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَاسْتَغْنَوْا بِالْعَمَلِ عَنْ نَقْلِ النَّصِّ، فَصَارَ بِالنَّصِّ شَرْعًا، وَصَارَ الْعَمَلُ عَلَى النَّصِّ دَلِيلًا، فَدَبَّرَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ عَبِيدًا، وَدَبَّرَتْ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمَةً لَهَا.

فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ عَنْ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلِعِلْمِهَا بِهِ مِنْ جِهَتِهِ.

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ، فَأَغْنَى إِجْمَاعُهُمْ عَنْ دَلِيلٍ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>