وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) {المائدة: ٤) وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْكَلْبَ آلَةٌ كَالسِّلَاحِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ صَادَ بِسِلَاحِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ كَذَلِكَ إِذَا صَادَ بِكَلْبِهِ
وَالثَّانِي: إِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَلْبِ بِمُرْسِلِهِ دُونَ مُعَلِّمِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجُوسِيَّ إِذَا صَادَ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ لَمْ يَحِلَّ إِجْمَاعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ إِذَا صَادَ مُسْلِمٌ بِكَلْبِ مَجُوسِيٍّ قِيَاسًا.
وَالثَّالِثُ: إِنَّ الْمَجُوسِيَّ لَوْ عَلَّمَ كَلْبًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، حَلَّ صَيْدُهُ، لِأَنَّهُ بِإِرْسَالِهِ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ بِتَعْلِيمِ مَجُوسِيٍّ، كَذَلِكَ إِذَا صَادَ به غيره من المسلمين.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَيُّ أَبَوَيْهِ كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا أَرَى تُؤْكَلُ ذبيحته وقال في كتاب النكاح ولا ينكح إن كانت جاريةً وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَشْرَكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يَشْرَكُهُ الشِّرْكُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ، وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ مُبَاحٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ مِمَّا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا تَحِلُّ فِيمَا لَا يُحِلُّونَهُ مِنَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِذَبْحِهِ الإتلاف دون الذكاة، وهذا غلظ؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُو الكِتَابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) {المائدة: ٥) يُرِيدُ بِالطَّعَامِ: الذَّبِيحَةَ دُونَ مَا يَسْتَطْعِمُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَطْعِمُونَ الْخِنْزِيرَ، وَلَا يَحِلُّ لَنَا.
وَلِأَنَّ مَا حَلَّ بِذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ حَلَّ بِذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ، كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ طَرْدًا، وَكَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَكْسًا. وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلًا مُقَرَّرًا، وَقِيَاسًا مُسْتَمِرًّا، فَاخْتَلَفَ أَبَوَا الْكَافِرِ، فَحَلَّتْ ذَبِيحَةُ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَةُ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يَهُودِيًّا وَالَآخَرُ مَجُوسِيًّا نُظِرَ:
فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مَجُوسِيًّا وَأُمُّهُ يَهُودِيَّةً فلا تحل ذبيحته لوجهين:
أحدهما: أنه نَسَبَهُ يَلْحَقُ بِأَبِيهِ، فَكَانَ حَمْلُهُ حَمْلَ أَبِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ إِذَا اجْتَمَعَا يَغْلِبُ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ يَهُودِيًّا وَأُمُّهُ مَجُوسِيَّةً، فَفِي إِبَاحَةِ ذَبِيحَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى أَبِيهِ فِي نَسَبِهِ.