للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩] أَيِ الْمُتَيَقَّنُ، وَكَقَوْلِهِمُ اللَّهُ رَجَائِي وَأَمَلِي أَيْ مَرْجُويَ وَمُؤَمَّلِي، وَالْقَوْلُ هُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ الْعَوْدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لما قالوا} وَثُمَّ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلْمُهْلَةِ وَالتَّرَاخِي فَأَوْجَبَتْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ زَمَانٌ لَيْسَ بِعَوْدٍ فَكَانَ حَمْلُ الْعَوْدِ عَلَى الْعَزْمِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظِّهَارِ مُهْلَةٌ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ خَوْلَةَ حِينَ شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ أَوْسًا ظَاهَرَ مِنْهَا وَقَدْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْوَطْءِ هُوَ الْعَوْدُ، وَلِأَنَّهُ بِالظِّهَارِ عَازِمٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ فِيهِ الْعَزْمَ عَلَى فِعْلِ الْوَطْءِ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ إِلَى ضِدِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا} وَالْعَوْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا عِنْدَنَا أَوْ قَوْلًا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَلَيْسَ الْعَزْمُ قَوْلًا وَلَا فعلاً لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ عَوْدًا.

وَلِأَنَّ أَوْسَ بْنَ الصامت ظاهر من زوجته خولة فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَسَلْهُ عَنْ عَزْمِهِ عَلَى الْوَطْءِ وَلَوْ كَانَ الْعَزْمُ شَرْطًا لَسَأَلَهُ:

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدَ رُوِّينَا أَنَّ خَوْلَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا فَعَنْهُ جَوَابَانِ: -

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا أَثْبَتَهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَلَا مَا أَفْصَحَتْ بِهِ مِنَ الشَّكْوَى وَمَضَى هَذَا الذِّكْرُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَوْسٍ دُونَهَا وَلَوْ كَانَ وُجُوبُهَا مُتَعَلِّقًا بِالْعَزْمِ لَكَانَ هو مسؤول عَنْهَا وَلَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهَا دُونَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْسَكَهَا زَوْجَةً بَعْدَ الظِّهَارِ مُدَّةً يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ كَالْعَازِمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِلَفْظٍ وَشَرْطٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَالْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ الْعَزْمَ وَحَدِيثَ النَّفْسِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (عُفِيَ عَنْ أَمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِسْيَانَ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا) .

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا وَأَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ثُمَّ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: ١١٨] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الصِّفَاتِ وَهِيَ تَتَعَاقَبُ.

وَالثَّانِي: أَنَّنَا نَسْتَعْمِلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي التَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ أَبَاحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>