للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْإِشَارَةِ عَدَدٌ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ مَا أَرَدْتُ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إِلَّا بِأَنْ يُرِيدَهُ وَلَوْ أَرَادَ طَلَاقًا فَقَالَتْ قَدِ اخْتَرْتُ نَفْسِي سُئِلَتْ فَإِنْ أَرَادَتْ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فليس بطلاق) .

قال الماوردي:

اعْلَمْ أَنَّ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ:

أحدهما: أَنْ يَتَوَلَّاهُ لِنَفْسِهِ مُبَاشِرًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُبَاشَرَتِهِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ وَكِيلًا، فَيَقُومُ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي اسْتَنَابَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفَوِّضَهُ إِلَى زَوْجَتِهِ وَهِيَ مَسْأَلَتُنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لَهَا وَلَا يَكُونُ تَوْكِيلًا وَاسْتِنَابَةً، وَهُوَ جَائِزٌ يَصِحُّ بِهِ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خير نساءه، فاخترنه فلولا أن لتخييرهن تأثير فِي الْفُرْقَةَ إِنِ اخْتَرْنَهَا، مَا كَانَ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنًى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ تَفْوِيضِهِ الطَّلَاقَ إِلَى زَوْجَتِهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحٍ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: بِكِنَايَةٍ مِنْهُمَا، وَالثَّالِثُ: بِصَرِيحٍ مِنْهُ وَكِنَايَةٍ مِنْهَا، وَالرَّابِعُ: بِكِنَايَةٍ مِنْهُ وَصَرِيحٍ مِنْهَا.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وهو أن يكون بصريح مِنْهُمَا جَمِيعًا فَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ فَتَقُولَ: قَدْ طَلَّقْتُ نَفْسِي، فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِطَلَاقِهَا لِنَفْسِهَا، وَلَا يُرَاعَى مِنْ أَصْلِ الطلاق ووقوعه نية واحدة مِنْهُمَا، فَأَمَّا عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلَهُمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أحوال:

أحدها: أَنْ يَذْكُرَاهُ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَاهُ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يطلقاه، فإن ذكراه فلهما فيه حالتان:

أحدهما: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِيهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَعَ الْعَدَدُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً، أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَتَيْنِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلْقَتَيْنِ، أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَقَالَتْ: قَدْ طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ وَقَعَ أقل العددين.

<<  <  ج: ص:  >  >>