للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْطُوءَةِ حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَمَا وَجَبَ مِنَ الْمَهْرِ فِيهِمَا فَهُوَ لِلْمَوْطُوءَةِ وَلَا يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِغَيْرِهَا.

وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَالْمَوْطُوءَةُ عَالِمَةً بِهِ فَالْحَدُّ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْوَاطِئِ، لِأَنَّ الْحَدَّ مُعْتَبَرٌ بِشُبْهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا مَهْرَ لَهَا، لِأَنَّ الْمَهْرَ مُعْتَبَرٌ بِشُبْهَتِهَا، وَالْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، لِأَنَّهُمَا مُعْتَبَرَانِ بِشُبْهَةٍ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِصَابَةُ قَاطِعَةً لِعِدَّةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِهَا فِرَاشًا لِلثَّانِي، فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَخَلَتْ فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَهَا وَتَسْتَأْنِفَ بَعْدَهَا عِدَّةَ الثَّانِي، وَتَجْرِي عَلَى هَذِهِ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي حَقِّ الْوَاطِئِ حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي فَتَصِيرُ إِصَابَةُ الثَّانِي قَاطِعَةً لِعِدَّةِ الْأَوَّلِ فِي قِسْمَيْنِ إِذَا جَهِلَا التَّحْرِيمَ أَوْ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ دُونَهَا، وَغَيْرَ قَاطِعَةٍ لِعِدَّتِهِ فِي قِسْمَيْنِ إِذَا عَلِمَا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ عَلِمَهُ الْوَاطِئُ دُونَهَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ عِدَّةٌ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَعِدَّةٌ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي لَمْ تَتَدَاخَلِ الْعِدَّتَانِ، وَأَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ لِتُقَدِّمِهِ وَصِحَّةِ عَقْدِهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ بَعْدَهَا عِدَّةَ الثَّانِي.

وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: وَأَبُو حَنِيفَةَ تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَلْزَمُهَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ دَاخِلًا فِي عِدَّةِ الثَّانِي اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] فَلَمْ يُوجِبْ عَلَى الْحَامِلِ عِدَّةً غَيْرَ وَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ تَرَادَفَتَا فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تُرَادُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، فَإِذَا عُرِفَ فِي حق إحداهما عُرِفَ فِي حَقِّهِمَا فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِالزِّيَادَةِ مَا لَمْ يَسْتَفِدْ قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَتَّصِلُ بِسَبَبِهَا وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِتَدَاخُلِهِمَا حَتَّى لا تتأخر واحد مِنْهُمَا عَنْ سَبَبِهَا، وَلِأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَجُوزُ لِمُخَالِعِهَا أن يتزوجها في عدتها، ولو طئت فِيهَا بِشُبْهَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَوْلَا أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>