وَالثَّانِي: غَفُورٌ فِي تَخْفِيفِ الْكَفَّارَةِ وَإِسْقَاطِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَلْزَمُ فِيمَا كَانَ الْحِنْثُ فِيهِ بَرأَ. {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: ٢٢٧] وَفِي عَزِيمَتِهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّلَاقَ أَنْ لَا يَفِيءَ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَتُطَلَّقَ بِمُضِيِّهَا، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْحَقُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّانِي: طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَالَبَ بِالْفَيْئَةِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَفِيءُ وَيُطَلِّقُ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأبو الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧] فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَمِيعٌ لِإِيلَائِهِ، عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِ.
وَالثَّانِي: سَمِيعٌ لِطَلَاقِهِ عَلِيمٌ بِصَبْرِهِ.
(فَصْلٌ:)
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِيلَاءِ هَلْ عُمِلَ بِهِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نَسْخِهِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُمِلَ بِهِ قَبْلَ النَّسْخِ ثُمَّ نُسِخَ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: بَلْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ.
وَإِنَّمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَنَزَلَ إِلَيْهِنَّ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يا رسول الله أطلقت نسائك فقال (لا، ولكني آليت شهراً) وسب ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ عَمْرَةُ أَنَّ هَدِيَّةً بُعِثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا ابْعَثِي إِلَى النِّسَاءِ بِأَنْصَابِهِنَّ فَفَعَلَتْ وَبَعَثَتْ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِنَصِيبِهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ: زِيدِيهَا فَزَادَتْهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ: زِيدِيهَا فَزَادَتْهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ: زِيدِيهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ أَقْمَأَتْكَ هَذِهِ، فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتُنَّ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ تُقْمِئْنَنِي وَآلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا وَصَعِدَ إِلَى مَشْرَبَتِهِ فَتَخَلَّى فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ