سَمِعُوا قِرَاءَةً طَيِّبَةً تَبِعُوا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلْتُمُ الْقُرْآنَ أَغَانِيَ فَجَمَعَهُمْ إِلَى أبي فصارت ستة قَائِمَةً، ثُمَّ عَمِلَ بِهَا عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْأَئِمَّةُ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَهِيَ مِنْ أَحْسَنِ سُنَّةٍ سَنَّهَا إِمَامٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَثَبَتَ فَالَّذِي أَخْتَارُ عِشْرُونَ رَكْعَةً خَمْسُ ترويحات كل ترويحة شفعين كل شفع ركعتين بِسَلَامٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ النَّاسُ بِمَكَّةَ
قال الشَّافِعِيُّ: " وَرَأَيْتُهُمْ بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً بسبع ترويحات، ويوثرون بِثَلَاثٍ " وَإِنَّمَا خَالَفُوا أَهْلَ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ وَزَادُوا فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا تَرْوِيحَةً طَافُوا سَبْعًا إِلَّا التَّرْوِيحَةَ الْخَامِسَةَ فَإِنَّهُمْ يُوتِرُونَ بَعْدَهَا، وَلَا يَطُوفُونَ فَيَحْصُلُ لَهُمْ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ وَأَرْبَعُ طَوَافَاتٍ، فَلَمَّا لم يكن أَهْلَ الْمَدِينَةِ مُسَاوَاتُهُمْ فِي الطَّوَافِ الْأَرْبَعِ، وَقَدْ سَاوَوْهُمْ فِي التَّرْوِيحَاتِ الْخَمْسِ جَعَلُوا مَكَانَ أَرْبَعِ طَوَافَاتٍ أَرْبَعَ تَرْوِيحَاتٍ زَوَائِدَ فَصَارَ لَهُمْ تِسْعُ تَرْوِيحَاتٍ تَكُونُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً لِتَكُونَ صَلَاتُهُمْ مُسَاوِيَةً لِصَلَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَطَوَافِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَانَ لَهُ تِسْعُ أَوْلَادٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَقَدَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَصَلَّى تَرْوِيحَةً فَصَارَتْ سُنَّةً وَقِيلَ: بَلْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ تِسْعَ قَبَائِلَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ سَارَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَاقْتَتَلُوا فَقَدَّمَ كُلُّ قَبِيلَةٍ رَجُلًا فَصَلَّى بِهِمْ تَرْوِيحَةً ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ " فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ فَفِي النَّوَافِلِ الَّتِي تُفْعَلُ فُرَادَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْهُ، وَذَلِكَ الْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَهَذَا قَوْلُ أبي العباس بن سريج
ووالتأويل الثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي انْفِرَادِهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ، فَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا كان ذلك كَذَلِكَ، لِرِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ "
فَأَمَّا إِنْ تَعَطَّلَتِ الْجَمَاعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَصَلَاتُهُ جَمَاعَةً أَفْضَلُ لِمَا فِي تَعْطِيلِهَا مِنْ إطفاء نور المساجد وترك السنة المأثورة
(مسألة: الْقَوْلُ فِي قُنُوتِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ، وَمُعَاذٌ الْقَارِي "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ صحيح