للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ شِرَاءٌ وَقَرْضٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اشْتَرَيْتُ عَبْدَكَ هَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي مِائَةً، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ وَقَرْضٌ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى. وَكَذَا لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَهُ مَائَةً عَلَى أَنْ يقْبضهُ خَيْرًا مِنْهَا وَلَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا فِي بَلَدِ كَذَا، وَلَوْ أَسْلَفَهُ إِيَّاهَا بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْكُرَهُ فيقضيه خيرا منها ".

قال الماوردي: وهذا صحيح أَمَّا الْقَرْضُ فَإِنَّمَا سُمِّيَ قَرْضًا لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ فَيَدْفَعُهَا إِلَى الْمُقْتَرِضِ. وَالْقَطْعُ فِي كَلَامِهِمْ هُوَ الْقَرْضُ فَلِذَلِكَ قِيلَ: ثوب مقروض أي مقطوع، وسمي الْمِقْرَاضُ مِقْرَاضًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ.

وَالْقَرْضُ مَعُونَةٌ وَإِرْفَاقٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ وَإِبَاحَتِهِ: مَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَرَدَّ رَبَاعِيًّا وَقَالَ: خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اسْتَقْرَضَ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعِينَ أَلْفًا ثُمَّ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ: ادْعُوا لِيَ ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فَقَالَ: هَذَا مَالُكَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي مَالِكَ وَوَلَدِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْوَفَاءُ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ صَاعًا فَرَدَّ عَلَيْهِ صَاعَيْنِ. وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَجُرَّ مَنْفَعَةً.

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْقَرْضِ فَهُوَ إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ، فَأَمَّا مَا لَا يُنْقَلُ مِنَ الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالضِّيَاعِ فَلَا يَجُوزُ قَرْضُهَا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِيهَا، وَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِعَارَتِهَا، وَإِنَّ ثُبُوتَهَا فِي الذِّمَمِ لَا يَصِحُّ. فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْمَنْقُولَةُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَقَرْضُ هَذَا يَصِحُّ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مُقْتَرِضِهِ بِمِثْلِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلَكِنْ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَقَرْضُ ذَلِكَ جَائِزٌ إِلَّا الْجَوَارِي فَإِنَّ قَرْضَهُنَّ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَبِمَاذَا يَصِيرُ هَذَا الضَّرْبُ مَضْمُونًا عَلَى مُقْتَرِضِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>