أحدها: يكون الرجوع أقْبض أَوْ لَمْ يُقْبِضْ.
وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ رُجُوعًا أقْبضَ أَوْ لَمْ يقْبِضْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إن أقبض كان رجوعا، وإن لم يقبض لم يكن رجوعا.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَجَّرَهُ أَوْ عَلَّمَهُ أَوْ زَوَّجَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا أُجِّرَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لَمْ تَكُنِ الْإِجَارَةُ رُجُوعًا فِي وَصِيَّتِهِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِهِ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِخْدَاما بِغَيْرِ بدل، فكذلك إِذَا اسْتَوْفَاهَا إِجَارَةً بِبَدَلٍ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ انْتَقَلَ الْعَبْدُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَانَتْ لَازِمَةً إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا. وَإِذَا قَبِلَهُ الْمُوصَى لَهُ لَزِمَهُ تَمْكِينُ الْمُسْتَأْجِرِ إِلَى انْقِضَائِهَا، وَالْأُجْرَةُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ مَلَكَهَا بعقد، ثُمَّ تَمَلَّكَ مَنَافِعَهُ بَعْدَ الرَّقَبَةِ مِنْ بَعْدِ انقضاء مدة الإجارة، فكذلك قَدْ رَجَعَ فِي الْإِجَارَةِ فِي بَعْضِ مَنَافِعِهِ.
فأما إذا أوصى له بسكنى داره، ثم أجرها: ولم يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَاهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنِ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ السُّكْنَى، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْكُنُ مُدَّةَ وَصِيَّتِهِ كُلَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الإجارة، ولا يكون بقي شَيْء مِنَ الْمُدَّةِ مُؤَثِّرًا فِي الرُّجُوعِ فِي الوصية لاستيفاء مُدَّةِ الْوَصِيَّةِ مُمْكِنٌ.
فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا وَالْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى سَنَة فَإِذَا أمضى شهر الإجارة بعد موت الوصي سَكَنَهَا الْمُوصَى لَهُ سَنَةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَان الْوَصِيَّة بِالسُّكْنَى سَنَةً وَالْبَاقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَهْرٌ، فَيَبْطُلُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِالسَّنَةِ شَهْرٌ وَيَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا. وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا سَنَةً بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى كُلِّهَا.
فَصْلٌ:
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ فَعَلَّمَهُ عِلْمًا، أَوْ صِنَاعَةً، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَصَالِحِهِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا لَوْ خَتَنَهُ أَوْ حَجَمَهُ أَوْ دَاوَاهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. وَهَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَمَهْرُهَا فِي كَسْبِهِ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَوَّجَهَا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا، وَالْمهْرُ لِلْمُوصِي فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا، وَكَأَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا مُدَّةَ مَقَامِ الزَّوْجِ مَعَهَا كَالْإِجَارَةِ فَلَوْ وَطِئَهَا الموصي لم يكن وطئه رُجُوعًا كَمَا لَوِ اسْتَخْدَمَهَا إِلَّا أَنْ يُحَبِّلَهَا فَتَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ الْمِصْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنْ عَزَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا كَانَ رُجُوعًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِيلَاءِ:
" وَلَوْ حَلَفَ لا يتسرى فوطء جَارِيَةً لَهُ فَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَسَرٍ، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا فَهُوَ مُتَسَرٍّ، وَقَدْ حَنِثَ ".