أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ، إِذَا قِيلَ إِنَّ عِتْقَهُ قَدْ يَسْرِي إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَارِمًا، وَالْقَوْلُ فِي الْغُرْمِ قَوْلُ الْغَارِمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الشَّرِيكِ مَعَ يَمِينِهِ، إِذَا قِيلَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ، إِلَى أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ حِصَّتِهِ، لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا يَدًا لَا تُنْتَزَعُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، إِلَّا بِقَوْلِهِ كَالثَّمَنِ فِي الشُّفْعَةِ، إِذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ (الْأُمِّ) ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا يَتَحَالَفُ الْمُتَبَايِعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ تَحَالُفَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُوجِبٌ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَأَفَادَ وَتَحَالُفَ هَذَيْنِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِرَفْعِ الْعِتْقِ، فَلَمْ يُفِدْ وَهُمَا بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَيْهَا بَاقِيَانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا.
وَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ أَعَادَ نُصْرَةَ اخْتِيَارِهِ، وَفِي بَعْضِ مَا مَضَى مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ مَقْنَعٌ. والله اعلم.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ هُوَ خَبَّازٌ وَقَالَ الْغَارِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَيَدَّعِي الشَّرِيكُ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ صَانِعًا خَبَّازًا، أَوْ نَجَّارًا، أَوْ كَاتِبًا فَلَهُ الْقِيمَةُ الزَّائِدَةُ بِصَنْعَتِهِ، وَيَقُولُ الْمُعتِقُ هُوَ غَيْرُ صَانِعٍ فَلَكَ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ بِصَنْعَتِهِ، فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ: حَيٌّ وَمَيِّتٌ.
فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الْغَارِمِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ، فَكَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ، وَإِنَّمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الْغَارِمِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَدَّعِي حُدُوثَ صَنْعَةٍ لَيْسَتْ فِي الْخِلْقَةِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ الصَّنْعَةُ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مُنْكِرِهَا دُونَ مُدَّعِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا يُمْكِنُ اخْتِبَارُ حَالِهِ اخْتُبِرَتْ فِيهِ تِلْكَ الصَّنْعَةُ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا رُدَّتْ دَعْوَى الشَّرِيكِ، فِيهَا وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَلَا تلزمه إلى قِيمَتُهُ غَيْرَ صَانِعٍ، فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ قَدْ كَانَ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ، وَقْتَ الْعِتْقِ لَكِنَّهُ نَسِيَهَا بِعِلَّةٍ، فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْعِتْقِ قَرِيبًا،. لَا تُنْسَى الصَّنْعَةُ فِي مِثْلِهِ لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنْ تَطَاوَلَ وَجَازَ أَنْ تُنْسَى تِلْكَ الصَّنْعَةُ فِي مِثْلِهِ سُمِعَتْ مِنْهُ وَأُحْلِفَ عَلَيْهَا الْمُعْتِقُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قِيمَتُهُ غَيْرَ صانع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute