للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَالْعِلْمُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا مَا عَايَنَهُ، فَيَشْهَدُ بِهِ وَمِنْهَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا أَثْبَتَهُ سَمْعًا مَعَ إِثْبَاتِ بَصَرٍ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ "، فَتَنْقَسِمُ الشَّهَادَاتُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُشَاهِدَهُ مُعَايَنَةً بِبَصَرِهِ.

وَالثَّانِي: مَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِذَا سَمِعَهُ بِالْخَبَرِ الشَّائِعِ.

وَالثَّالِثُ: مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِلَّا بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُبْصِرَهُ فَالْأَفْعَالُ كَالْقَتْلِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالزِّنَا، وَالرَّضَاعِ، وَالْوِلَادَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُشَاهَدَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ فِيهَا إِلَّا إِذَا شَاهَدَهَا بِبَصَرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْعِلْمِ بِهَا مِنْ أَقْصَى جِهَاتِهَا، وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ فِيهَا بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ شَائِعًا مُسْتَفِيضًا، لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إِلَى عِلْمِهِ بِالْأَقْوَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِذَا عَلِمَهُ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ، بِحَمْلِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ مِنْ أَقْصَى جِهَاتِهِ الْمُتَمَكِّنَةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إِذَا عَلِمَهُ بِالسَّمْعِ وَالْخَبَرِ الشَّائِعِ، فَضَرْبَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ.

فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَثَلَاثَةٌ: النَّسَبُ، وَالْمِلْكُ، وَالْمَوْتُ.

وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَثَلَاثَةٌ: الْوَقْفُ، وَالْوَلَاءُ، وَالزَّوْجِيَّةُ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا النَّسَبُ فَيَثْبُتُ بِسَمَاعِ الْخَبَرِ الشَّائِعِ الْخَارِجِ إِلَى حَدِّ الِاسْتِفَاضَةِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَحْوَالٍ مُتَبَايِنَةٍ مِنْ مَدْحٍ، وَذَمٍّ، وسخط، ورضى يُسْمَعُ النَّاسُ فِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ، يَقُولُونَ: هَذَا فلان ابن فُلَانٍ فَيَخُصُّونَهُ بِالنَّسَبِ إِلَى أَبٍ أَوْ يَعُمُّونَهُ بِنَسَبٍ أَعْلَى، فَيَقُولُونَ: هَذَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي الْخُصُوصِ، وَالْعُمُومِ، بِالْخَبَرِ الشَّائِعِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِدْلَالًا لَا يُقْطَعُ بِمُعَيَّنٍ، لِأَنَّ الْأَنْسَابَ تَلْحَقُ بِالِاسْتِدْلَالِ دون القطع، فجازرت لِشَهَادَةٍ فِيهَا بِالِاسْتِدْلَالِ دُونَ الْقَطْعِ، وَأَقَلُّ الْعَدَدِ فِي اسْتِفَاضَةِ هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي: أَقَلُّهُ عَدْلَانِ يَذْكُرَانِ نَسَبَهُ خَبَرًا لَا شَهَادَةً، فَيَشْهَدُ بِهِ السَّامِعُ شَهَادَةَ نَفْسِهِ، وَلَا يَشْهَدُ بِهِ عَنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَ الاثنين من أخبار الآحاد، وأخبار لَا تَبْلَغُ حَدَّ الشَّائِعِ الْمُسْتَفِيضِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ الْعَدَدُ الْمَقْطُوعُ بِصِدْقِ مُخْبِرِهِ، وَهُوَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ الْمُنْتَفَى عَنْهُ الْمُواطَأَةُ وَالْغَلَطُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>