للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا أبو حنيفة فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلِهَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِاللَّبَنِ فَهُوَ أَنَّ أَكْمَلَ مَنَافِعِ اللَّبَنِ يُوجَدُ إِذَا كَانَ لَبَنًا. فَجَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِكَمَالِ مَنَافِعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّطَبُ لِأَنَّ كَمَالَ مَنَافِعِهِ يَكُونُ إِذَا يَبِسَ، إِذْ كَلُّ شَيْءٍ أُمْكِنَ أَنْ يُعْمَلَ مِنَ الرُّطَبِ أُمْكِنَ أَنْ يُعْمَلَ مِنَ التَّمْرِ، وَلَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ أُمْكِنَ أَنْ يُعْمَلَ مِنَ اللَّبَنِ أُمْكِنَ أَنْ يُعْمَلَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْمَصْلِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ نَقْصَهُمَا قَدِ اسْتَوَى مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ دَلِيلًا أَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ. عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي النَّقْصِ إِذَا نَقَصَ الرُّطَبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَيَتَبَايَنُ بِتَبَايُنِ أَزْمَانِهِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ وَبَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا كُلُّ مَا يَصِيرُ رُطَبًا وَتَمْرًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالرُّطَبِ وَلَا بِالتَّمْرِ كَالْبَلَحِ وَالْخَلَالِ، وَالْبُسْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ كَالدِّبْسِ وَالنَّاطِقِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَلَا بِمَا يَصِيرُ تَمْرًا وَرُطَبًا كَالْبَلَحِ وَالْخَلَالِ وَالْبُسْرِ. فَأَمَّا بَيْعُ الطَّلْعِ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: جَوَازُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَشَابَهَ بَيْعَ الْقَصِيلِ بِالْحِنْطَةِ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْقَصِيلِ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلْعِ يَصِيرُ رُطَبًا وَتَمْرًا، وَلَيْسَ يَصِيرُ نَفْسُ الْقَصِيلِ حِنْطَةً وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ فِيهِ الْحِنْطَةُ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولُ جَازَ كَالْقَصِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ رُطَبًا.

وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رُطَبًا.

وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُجِيزُ بَيْعَ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا بِمِثْلِهِ لِأَنَّهَا حَالَ كَمَالِ مَنَافِعِهِ كَاللَّبَنِ. وَلَيْسَ هَذَا صَحِيحًا لِأَنَّ النَّادِرَ مِنَ الجنس يلحق بالغالب منه في الحكم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَمْحٌ مَبْلُولٌ بِقَمْحٍ جَافٍّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْحِنْطَةِ الْيَابِسَةِ. لِأَنَّ الْمَبْلُولَةَ تَنْقُصُ إِذَا جَفَّتْ وَيَبِسَتْ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي النُّقْصَانِ إِذَا يَبِسَا كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ النَّيَّةِ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَقْلُوَّةِ وَأَحْدَثَتْ فِيهَا انْتِفَاخًا يَمْنَعُ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ المغلي بالزيت النيئ.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ لِأَنَّ مَا أَحْدَثَتْهُ النَّارُ فِيهِمَا قَدْ يَخْتَلِفُ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ بالزيت المغلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>