للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنُّزْهَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخُرُوجُ وَأَقَامَتْ فِي مَنْزِلِهِ لِلْعِدَّةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ لَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ غَيْرِهِ مِنَ السَّفَرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ تَأْوِيلُ مَنْ جَعَلَ اسْتِقْرَارَ سَفَرِهَا بِمَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي زِيَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَعَلَيْهَا إِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَ بَعْدَ خُرُوجِهَا وَقَبْلَ وُصُولِهَا أَنْ تَعُودَ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي الزِّيَارَةِ وَالنُّزْهَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَ بَعْدَ وُصُولِهَا أَوْ فِي طَرِيقِهَا فَعَلَيْهَا بَعْدَ الْوُصُولِ أَنْ تَعُودَ لِوَقْتِهَا لِحُصُولِ الزِّيَارَةِ وَالنُّزْهَةِ عِنْدَ الْوُصُولِ فَلَا تُقِيمُ إِلَّا مُقَامَ الْمُسَافِرِ وَلَا يَجْعَلُ لِلزِّيَارَةِ وَالنُّزْهَةِ حَدًّا زَائِدًا عَلَى مُقَامِ الْمُسَافِرِ، فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْمَسْأَلَةِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي الزِّيَارَةِ وَالنُّزْهَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ سَفَرِهَا وَقَبْلَ وُصُولِهَا لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَلَوْ كان وَعَدَمُهَا فِي الزِّيَارَةِ وَالنُّزْهَةِ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ لَا أَجِدُ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَجْهًا.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي: " وَلَا تَخْرُجُ إِلَى الْحَجِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا إِلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَتَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْرَامِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ ثُمَّ تُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُقِيمَ لِاسْتِكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ تَحُجَّ فِي تَضَاعِيفِهَا وَإِنْ خَافَتِ الْفَوَاتَ لِتُقَدِّمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، فَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَوَقْتُ الْحَجِّ مُمْكِنٌ خَرَجَتْ لِأَدَائِهِ وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ جَرَى عَلَيْهَا حُكْمُ فَوَاتِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ إِحْرَامُهَا بِالْحَجِّ عَنْ إِذْنِهِ ثُمَّ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا بِطَلَاقِهِ أَوْ مَوْتِهِ قَبْلَ أَدَائِهِ فَفَرْضُ الْحَجِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُضَيَّقًا خَرَجَتْ لِلْحَجِّ وَإِنْ كَانَ مُتَّسِعًا كَانَتْ مُخَيَّرَةً بَيْنَ تَقْدِيمِ الْعِدَّةِ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ، وَبَيْنَ تَقْدِيمِ الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ عَلَى الْمُقَامِ لِلْعِدَّةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ فَيَلْزَمُهَا الْمُقَامُ لِلْعِدَّةِ، وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ يُقْضَى وَفَوَاتَ الْعِدَّةِ لَا يُقْضَى؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ فَكَانَتْ أَوْكَدَ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُفْرَدَةِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَحَقِيقَةُ الْإِتْمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>