للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ، فَأَمَّا مَا تُجْزِئُهُ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ عند دفعها فيجزئ ما لِأَنَّ أَغْلَظَ أَحْوَالِ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ، وَأَمَّا مَا لَا يُجْزِئُ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ عَزْلِهَا مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّهَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْفِعْلِ، فَكَانَتْ قَصْدًا وَلَمْ تَكُنْ نِيَّةً، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ عَزْلِهَا مِنْ مَالِهِ وَقَبْلَ دَفْعِهَا فَفِي إِجْزَائِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ تُجْزِئْ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ حَتَّى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قَبْلَهَا وَمَعَهَا، لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي دَفْعِهَا يَصِحُّ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُسْتَنِيبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ الدَّفْعِ، فَأَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ مَعَ الْعَزْلِ، وَخَالَفَتِ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا، فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِهَا وَجَرَتِ الضَّرُورَةُ مَجْرَى الصِّيَامِ الَّذِي تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا مَعَ دُخُولِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ لِبَقَائِهَا مَعَ الْقَوَدِ عَلَى مُلْكِهِ فَأَشْبَهَ النِّيَّةَ قَبْلَ عَزْلِهِ، وَتَأَوَّلَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قَبْلَهَا، أَوْ مَعَهَا بِتَأْوِيلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَهَا إِذَا اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ إِلَى دفعها.

والثاني: قبلها في الصيام ومعها في الكسوة.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ رجلٌ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَهَذِهِ كَهِبَتِهِ إِيَّاهَا مِنْ مَالِهِ وَدَفْعِهِ إِيَّاهَا بِأَمْرِهِ كقبضٍ وَكِيلِهِ لِهِبَتِهِ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ أَعْتِقْ عَنِّي فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقَ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَكَانَ عِتْقُهُ مِثْلَ الْقَبْضِ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ كَانَ الْعِتْقُ كَالْقَبْضِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ: إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَكَفَّرَ عَنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَالُ التَّكْفِيرِ لِلْآمِرِ، فَيَكُونَ المأمور هاهنا وَكِيلًا لِلْآمِرِ فِي إِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِي التَّكْفِيرِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَالُ وَالْعَمَلُ تَبِعٌ، فَأُجْرِيَتْ مَجْرَى حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَتَكُونُ النِّيَّةُ فِي إِخْرَاجِهَا مُسْتَحِقَّةً، لِمَا تَضَمَّنَهَا مِنَ الْعِبَادَةِ، وَلِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أحوالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ عِنْدَ أَمْرِهِ وينوي المأمور عند دفعه، فهذا أكمل أموال الجواز.

والثاني: أن لا ينوي واحد مِنْهَا فَلَا يُجْزِئُ الْمُخْرِجُ عِتْقًا كَانَ أَوْ إِطْعَامًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْإِجْزَاءِ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمَأْمُورُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الْأَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>