أَرَدْتُ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْهُ فَهَلْ يَدِينُ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةٍ نَذْكُرُهَا فِيمَا بَعْدُ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غُرَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، طُلِّقَتْ بِدُخُولِ أَوَّلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي آخِرِهِ، لِمَ يُدَيَّنْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْغُرَّةِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَرَادَ وُقُوعَهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، وَثَانِيهِ وَثَالِثِهِ، دِينَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ مِنَ الشَّهْرِ مِنْ غُرَّتِهِ لِقَوْلِهِمْ: ثَلَاثٌ غُرَرٌ، وَثَلَاثٌ بُهَرٌ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مُسْتَهَلَّ شَهْرِ رَمَضَانَ، طُلِّقَتْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، لِمَ يُدَيَّنْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسْتَهَلِّهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ إِلَى آخِرِهِ دِينَ فِيهِ، لِأَنَّهُ مُسْتَهَلُّ أَيَّامِهِ.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي انْسِلَاخِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي انْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ طُلِّقَتْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ، لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ يَكُونُ بِدُخُولِ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ بِخُرُوجِ النَّهَارِ، لِأَنَّ الشَّهْرَ يَجْمَعُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا يَجْمَعُهُمَا لُغَةً، وَالشَّرْعُ يَخُصُّ النَّهَارَ مِنْهُمَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: ١٨٥] . فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ صَوْمَ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، فَكَانَ النَّهَارُ هُوَ الشَّهْرَ الشَّرْعِيَّ، وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الشَّرْعِ، قِيلَ قَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِجَمْعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] . وَهِيَ تَعْتَدُّ فِيهَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ جَمِيعًا، فَلَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِأَحَدِهِمَا وَجْهٌ، مَا لَمْ يَخُصُّهُ دَلِيلٌ.
وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ آخِرِ الشَّهْرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّيْلَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْهُ لِأَنَّ آخِرَ الشَّهْرِ نِصْفُهُ الثَّانِي، وَأَوَّلَ النِّصْفِ الثَّانِي غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، فَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، فَهُوَ يَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، لِأَنَّ آخِرَ الشَّهْرِ هُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْهُ، وَأَوَّلُ الْيَوْمِ طُلُوعُ فَجْرِهِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِغُرُوبِ الشمس في اليوم الخامس عشرة، لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ نِصْفُهُ الْأَوَّلُ، وَآخِرَهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute