للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الضَّارِبِ فَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهَا إِسْقَاطَهُ مِنْ غَيْرِهَا أَحْلَفَهَا وَضَمِنَ دِيَتَهُ، فَإِنْ سَكَنَ أَلَمُهَا بَعْدَ الضَّرْبِ وَأَلْقَتْهُ بَعْدَ زَوَالِ الْأَلَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَلْقَتْهُ مِنْ غَيْرِ الضَّرْبِ فَلَا تَلْزَمُهُ دِيَتُهُ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَلْقَتْهُ مِنْ ضَرْبِهِ أَحْلَفَتْهُ، وَلَيْسَ يُحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى بَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِالظَّاهِرِ وَحُكْمُ الظَّاهِرِ مَعْرُوفٌ، وَلَكِنْ لَوِ ادَّعَتْ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ أَنَّهَا أَلْقَتْهُ مِنْ ضَرْبِهِ وَأَنْكَرَهَا، فَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ ضَنِيَّةً مَرِيضَةً حَتَّى أَلْقَتْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، فَإِنْ أَنْكَرْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِهِ أَحْلَفَهَا، وَإِنْ لَمْ تَقُمِ الْبَيِّنَةُ بِمَرَضِهَا فَالْقَوْلُ قوله ولها إحلافه.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ صَرَخَ الْجَنِينُ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَصْرُخْ ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَدِيَتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مَكَانَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ إِنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا أَلْقَتْ مِنَ الضَّرْبِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، إِنْ كَانَ ذَكَرًا فَمِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ، وَحَيَاتُهُ تُعْلَمُ بِالِاسْتِهْلَالِ تَارَةً، وَبِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ أُخْرَى، وَالِاسْتِهْلَالُ هُوَ الصِّيَاحُ وَالْبُكَاءُ، وَفِي مَعْنَاهُ الْعُطَاسُ وَالْأَنِينُ.

وَأَمَّا الْحَرَكَةُ الْقَوِيَّةُ فَمِثْلُ ارْتِضَاعِهِ، وَرَفْعِ يَدِهِ، وَحَطِّهَا، وَمَدِّ رِجْلِهِ، وَقَبْضِهَا، وَانْقِلَابِهِ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْحَرَكَاتِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا فِي حَيٍّ.

فَأَمَّا الِاخْتِلَاجُ وَالْحَرَكَةُ الضَّعِيفَةُ فَلَا تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، لِأَنَّ لَحْمَ الذَّبِيحَةِ قَدْ يَخْتَلِجُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:

اسْتِهْلَالٌ، أَوْ حَرَكَةٌ قَوِيَّةٌ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِالِاسْتِهْلَالِ وَلَا تَثْبُتُ بِالْحَرَكَةِ.

وَبِهِ قَالَ سعيد ابن الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُطَاسِ هل يكون استهلال؟ فَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ وَنَفَاهُ آخَرُونَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الِاسْتِهْلَالَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحَيَاةُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ " فَخُصَّ الِاسْتِهْلَالُ بِحُكْمِ الْحَيَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>