فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْعُذْرُ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا، أَوْ عِنْدَهُ مَرِيضٌ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى ارْتِيَادِ مَسْكَنٍ، أَوْ إِحْرَازِ رَجُلٍ فَهَذَا مَعْذُورٌ بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ، فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ لَمْ يَقْصِدِ الْمَسْجِدَ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمَسْجِدِ إِنَّمَا يُرَادُ لِلطَّوَافِ، فَإِذَا عُذِرَ بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ عُذِرَ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ قَصَدَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا.
: وَأَمَّا حُضُورُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فَهُوَ أَنْ يَجِدَ النَّاسَ فِي صَلَاةِ جَمَاعَةٍ وَقَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَيَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةٌ حَاضِرَةٌ، وَالطَّوَافُ شَيْءٌ لَا يَفُوتُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ هَمَّ بِالطَّوَافِ مَنَعَهُ السَّيْرُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، لَمْ يَطُفْ، وَصَلَّى مَعَهُمْ، فَإِنْ دَخَلَ وَقَدْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ زَمَانٌ يَسِيرٌ لَا يَتَّسِعُ لِلطَّوَافِ، كَأَذَانِ الْمَغْرِبِ، لَمْ يَطُفْ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجَمَاعَةَ، ثُمَّ يَطُوفُ، وَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مُتَّسَعًا لِلطَّوَافِ، لَمْ يَنْتَظِرِ الصَّلَاةَ وطاف فإن أقيمت للصلاة قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّوَافِ فَيَخْتَارُ أَنْ يَقْطَعَهُ عَلَى وِتْرٍ مِنْ ثَلَاثٍ، أَوْ خَمْسٍ، وَلَا يَقْطَعُهُ عَلَى شَفْعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ". فَإِنْ قَطَعَهُ على شفع جاز، ويخرج من الطوفة عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، لِيَكُونَ قَدْ أَكْمَلَهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، عَادَ فَبَنَى عَلَى طَوَافِهِ وَتَمَّمَ، فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الطَّوَافِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَدْ خَرَجَ قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّوْفَةِ، فَإِذَا عَادَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ ابْتَدَأَ مِنْ حَيْثُ قَطَعَ، وَاسْتَظْهَرَ لِيُتَمِّمَ الطَّوْفَةَ الَّتِي قَطَعَهَا، ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا تَمَامَ سَبْعٍ.
: وَأَمَّا مَا يَخَافُ فَوْتَهُ مِنْ عِبَادَاتِهِ، فَمِثْلُ صَلَاةِ الْفَرْضِ إِذَا ضَاقَ وَقْتُهَا أَوْ صَلَاةِ وِتْرٍ أَوْ رَكْعَتِي فَجْرٍ أَوَ صَلَاةِ فَرْضٍ كَانَ قَدْ نَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ هَذَا كُلَّهُ عَلَى الطَّوَافِ، فَإِذَا فَعَلَهُ طَافَ بَعْدَهُ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُخَافُ فَوْتُهُ، وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ هَذَا الطَّوَافُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَالرَّكْعَتَيْنِ، فَهَلَّا اسْتُغْنِيَ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ عَنْهُ كَمَا يُسْتَغَنَى عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ جِنْسٌ فَنَابَ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ مِنْ جِنْسِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافُ تَحِيَّةٌ لِلْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِتَحِيَّةٍ لِلْمَسْجِدِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، يَعْنِي فِي الْأَمْرِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، إِلَّا امْرَأَةً كَانَ لَهَا شَبَابٌ وَمَنْظَرٌ، فَالْوَاجِبُ لِتِلْكَ أَنْ تُؤَخِّرَ الطَّوَافَ إِلَى اللَّيْلِ لِيَسْتُرَ اللَّيْلُ مِنْهَا.
مَسْأَلَةٌ
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَضْطَبِعُ لِلطَّوَافِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اضطبع حين طاف ثم عمر (قال) وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute