وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَكْتُبُ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَيَكْتُبُ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
فَمَنْ بَدَأَ بِاسْمِهِ فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْكَاتِبِ إِلَى الْمُكَاتِبِ، وَمَنْ قَدَّمَ اسْمَ الْكَاتِبِ فَلِتَعْظِيمِهِ.
وَعُرْفُ النَّاسِ فِي عَصْرِنَا فِي كُتُبِ الْمُلُوكِ فَمَنْ دُونَهُمْ: أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُتُبِهِمُ اسْمُ الْمُكَاتِبِ عَلَى اسْمِ الْكَاتِبِ، إِلَّا الْخُلَفَاءَ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى اسْمِ الْمُكَاتِبِ.
فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ عَمِلَ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْقُضَاةِ فَفِيهِ سَلَفٌ مَتْبُوعٌ.
وَقَدْ صَارَ تَقْدِيمُ اسْمِ الْكَاتِبِ فِي عَصْرِنَا مُسْتَنْكَرًا فَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا لَا يَتَنَاكَرُهُ النَّاسُ أَوْلَى، وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِتَابُ الْقَاضِي مَقْصُورًا فِي الدُّعَاءِ عَلَى مَا يَأْلَفُهُ أَهْلُ الْعَصْرِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي عُرْفِهِمْ، وَيَعْدِلُ عَمَّا تَقَدَّمَهَا مِنَ اللَّفْظِ الْمَتْرُوكِ وَيَقْتَصِرُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ، وَلَا يُقْرِنُهُ بِخَبَرٍ وَلَا اسْتِخْبَارٍ.
وَلِكُتُبِهِمْ شُرُوطٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا.
(الدَّعْوَى عَلَى الْمَجْهُولِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الغائب) .
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وإن أَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ بِهِ حَتَى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ هُوَ فَإِذَا رَفَعَ فِي نَسَبِهِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أُخِذَ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَإِنْ وَافَقَ الِاسْمَ وَالْقَبِيلَةَ وَالنَّسَبَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَانَ بِشَيْءٍ لَا يُوَافِقُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا إِنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ، يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ، إِمَّا بِعَيْنِهِ، وَإِمَّا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ تَمْنَعُ مِنْ تَحْقِيقِ الْإِلْزَامِ.
فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِعَيْنِهِ دُونَ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِلَّا مَعَ حُضُورِهِ وَلَا تَكُونُ الْجَهَالَةُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ مَانِعَةً مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِاسْمِهِ ونسبه، فهو الذي توجه الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ.
فَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي حَقٌّ وَهُوَ حَاضِرٌ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ غَابَ قَبْلَ دَفْعِ الْحَقِّ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ، اسْتَحَقَّ الطَّالِبُ أَنْ يَتَنَجَّزَ كِتَابَهُ