قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَأَمَّا الْإِمَاءُ فَلَا قَسْمَ لَهُنَّ على السيد، فإذا أراد وطئهن فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بَعْدَ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ من تعجيل فرض ونكرار وطاعة، وَنَشَاطِ نَفْسٍ، فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ تَوَضَّأَ عِنْدَ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَأَنْكَرَ أَبُو دَاوُدَ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْجَنَابَةِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الطِّهَارَةِ، وَمَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَانَ فِعْلُهُ عَبَثًا، وَهَذَا إِنْكَارٌ مُسْتَقْبَحٌ وَقَوْلٌ مُسْتَرْذَلٌ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى السُّنَّةِ.
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ " وَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " وإذا جَامَعْتَ ثُمَّ أَرَدْتَ الْمُعَاوَدَةَ فَتَوَضَّأْ ".
وَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ، قَالَ: نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ عِنْدَ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ بَعْدَ وَطْئِهَا، لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ وَمَسْنُونٌ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَشَاطَ النَّفْسِ وَنُهُوضًا لِلشَّهْوَةِ، فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ ولا توضأ ولا غسل ذكره ووطء جميعهن واحدة بعد أخرى حتى أتى جميعهن جاز، اغتسل لَهُنَّ غُسْلًا وَاحِدًا.
وَرَوَى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وروى: وكن يومئذ تسعاً، ولأن الغسل تداخل كَالْحَدَثِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ إِلَى وَطْءِ أُخْرَى وَيَصْبِرُ حَتَّى تَسْكُنَ نَفْسُهُ، وَتَقْوَى شَهْوَتُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْفَهَرِ، وَالْفَهَرُ هُوَ إِذَا وطء الْمَرْأَةَ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى أُخْرَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يطأ بحيث يرى أو يجس بِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه نهى عن الوجس، وهو: أن يطأ بِحَيْثُ يُسْمَعُ حِسُّهُ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا الْحَرَائِرُ فَالْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ وَاجِبٌ إِذَا طَلَبْنَهُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لِإِحْدَاهُنَّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَطَأَ غَيْرَهَا فِي يومها إلا أن يحللنه فإذا أحللنه سَقَطَ قَسْمُهُنَّ، وَجَازَ أَنْ يَطَأَهُنَّ فِي يَوْمٍ واحد بغسل وَاحِدٍ كَالْإِمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute