للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة قال الشافعي: " ولا يجوز أن ينتصل رَجُلَانِ وَفِي يَدِي أَحَدِهِمَا مِنَ النَّبْلِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدَيِ الْآخَرِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةً مِنْ عِشْرِينَ، وَيُصِيبَ الْآخَرُ عَشَرَةً مِنْ ثَلَاثِينَ، فَيَكُونُ رَشْقُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ رَشْقِ الْآخَرِ، وَيَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " فِي يَدِ أَحَدِهِمَا " أَيْ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزِ التَّفَاضُلُ فِي عَدَدِ الرَّشْقِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّمَاثُلُ؛ لِأَنَّهُ إن نضل، فللكثرة رَمْيِهِ لَا بِحَسْبَ صُنْعِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا يتناضلا عَلَى أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ، وَيُصِيبَ الْآخَرُ عَشَرَةً مِنْ عِشْرِينَ، فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ بِالتَّفَاضُلِ فِيمَا يُوجِبُ التَّمَاثُلَ وَأَنَّهُ إِنْ نَضَلَهُ فَلِقِلَّةِ إِصَابَتِهِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ حُذَّاقِ الرُّمَاةِ إِذَا رَمُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِي اليد اليمن بَيْنَ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ سَهْمًا أَوْ سَهْمَيْنِ مُعَدًّا لِلرَّمْيِ، فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَتَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إِذَا رَمَى سَهْمٌ وَاحِدٌ وَفِي يَدِ الْآخَرِ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السِّهَامِ فِي الْيَدِ مُؤَثِّرٌ فِي قِلَّةِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ نَضَلَ فَلِقِلَّةِ الْمَانِعِ مِنْ إِصَابَتِهِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْكَفَّ ذَاتَ الْأَصَابِعِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَلَا عَلَى أَنْ يُحْسَبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَالْآخَرُ خاسقٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النضال يوجب التساوي، فإذا رفع فِيهِ التَّفَاضُلُ بِأَنْ يَكُونَ خَاسِقُ أَحَدِهِمَا خَاسِقَيْنِ، وَخَاسِقُ الْآخَرِ خَاسِقًا وَاحِدًا بَطَلَ بِهِ الْعَقْدُ لدخول التفاضل فيه، وأنه نضل فلمضاعفة خَوَاسِقِهِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِهِ.

وَلَوْ شَرَطَا فِي الْقَرْعِ أَنْ يَكُونَ خَاسِقُ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا قَارِعَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَسَاوَيَا فِي مُضَاعَفَةِ خواسقهما.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا ثَابِتًا لَمْ يَرْمِ بِهِ وَيُحْسَبُ لَهُ مَعَ خَوَاسِقِهِ وَلَا عَلَى أن يطرح من خواسقه خاسقاً وعلى أَنَّ خَاسِقَ أَحَدِهِمَا خَاسِقَانِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَنِ احْتُسِبَ لَهُ بِخَاسِقٍ لَمْ يُصِبْهُ يَصِيرُ مُفَضَّلًا بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ فَإِنْ نَضَلَ، فَلِتَفْضِيلِهِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِهِ، وَمَنْ أُسْقِطَ لَهُ خَاسِقٌ قَدْ أَصَابَهُ يَصِيرُ بِهِ مَفْضُولًا إِنْ نَضَلَ فَلِحَطِّ إِصَابَتِهِ لَا لِسُوءِ صَنِيعِهِ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ؛ لِعَدَمِ التساوي بين المتفاضلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>