للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَرَمَى، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ فِي عَقْدِ نِضَالِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَا فِيهِ الرَّمْيَ عَنِ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَتَنَاضَلَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَيْسَ لواحد منهما أن يعدل عنهما إِلَى الْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَجْلِ الشَّرْطِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا مَعًا عَلَى الْعُدُولِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى الْفَارِسِيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الشَّرْطِ أَنْ يَلْتَزِمَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا فِيهِ الرَّمْيَ عَنِ الْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَتَنَاضَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا مَعًا بِالْعُدُولِ إِلَيْهَا جَازَ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيَرْمِيَ الْآخَرُ عَنِ الْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قَوْسَاهُمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّمْيِ حَذْقُ الرَّامِيِ، وَالْآلَةُ تَبَعٌ وَمِثْلُهُ فِي السَّبَقِ إِذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَسَابَقَ عَلَى فَرَسٍ، والآخر على بغل ولا يَجُوزُ، وَإِنْ سَوَّى أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي السَّبَقِ الْمَرْكُوبَانِ وَالرَّاكِبَانِ تَبَعٌ، فَلَزِمَ التَّسَاوِي فِيهِ، وَلَمْ يَلْزَمِ التَّسَاوِي فِي آلَةِ الرَّمْيِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الشَّرْطِ فِي قَوْسِهِ وَإِنْ سَاوَى فِيهِمَا صَاحِبَهُ لِأَجْلِ شَرْطِهِ، فَإِنْ رَاضَاهُ عَلَيْهَا جَازَ.

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّا شَاءَ مِنْ قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ فَارِسِيَّةٍ، فَيَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْمِيَ عَنْ أَيِّ الْقَوْسَيْنِ شَاءَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرَّمْيِ وَبَعْدَهُ، فإن أراد أحدهما منع صاحبه مع خِيَارِهِ، لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ تَمَاثَلَا فِيهَا أَوِ اخْتَلَفَا.

وَالْحَالُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يُطْلِقَا الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ لِلرُّمَاةِ عُرْفٌ فِي أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَجَرَى فِي الْعُرْفِ فِي الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ مَجْرَى الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرُّمَاةِ فِيهِ عُرْفٌ مَعْهُودٌ فَهُمَا بِالْخِيَارِ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ أحد القوسين، إذا كان فيهما مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يُوجِبُ التَّكَافُؤَ وَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ، وَقِيلَ لَهُمَا: إِنِ اتَّفَقْتُمَا وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَكُمَا.

فَأَمَّا الْقَوْسُ " الدُّودَانِيَّةُ " فَهِيَ الْقَوْسُ الَّتِي لَهَا مَجْرًى يَمُرُّ السَّهْمُ فِيهِ، وَمِنْهَا قَوْسُ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَغْلَبُهَا قَوْسَ الْيَدِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُنَاضِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِذَا اتَّفَقُوا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَ الرَّجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِمٌ، وَالْآخِرُ جَالِسٌ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ، فَيَلْزَمُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا اعْتُبِرَ فِيهِ الْأَغْلَبُ مِنْ عُرْفِ الرُّمَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَصْحَابَ الْجُلَاهِقِ؛ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْحَذْفُ بِأَحَدِهِمَا حَذْفًا بِالْآخَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>