أراد به إعطائه مِثْلَيْ جَائِزَةِ اللَّهْفَانِ.
فَأَمَّا الْآيَةُ: فَعَنْهَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَنِ الْأَثْرَمِ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهُ جَعَلَ عَذَابَهُنَّ إِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ثَلَاثَةَ أماثل عَذَابِ غَيْرِهِنَّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الضِّعْفَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْمِثْلِ مجازا، إذا صرفه الدليل عن حَقِيقَتِهِ. وَلَيْسَتِ الْأَحْكَامُ مُعَلِّقَةً بِالْمَجَازِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَقَائِقِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِضِعْفَيْ نَصِيبِ ابْنِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مذاهب.
أحدهما: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَنَّ لَهُ مِثْلَيْ نَصِيبِهِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الضِّعْفَ مِثْلًا فَجَعَلَ الضِّعْفَيْنِ مِثْلَيْنِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ نَصِيبِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِالضِّعْفِ مِثْلَيْنِ، اسْتَحَقَّ بِالضِّعْفَيْنِ أَرْبَعَةَ أَمْثَالٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، أَنَّ لَهُ بِالضِّعْفَيْنِ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ نَصِيبِهِ.
فَإِنْ كَانَ نصيب الابن مائة استحق بالضعفين، ثلاثة مائة، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ بِالضِّعْفِ سَهْمَ الِابْنِ وَمِثْلَهُ حتى استحق مثليه وجب أن يأخذ بالضعفين بسهم الِابْنِ وَمِثْلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ.
فَعَلَى هذا: لو أوصى له ثلاثة أَضْعَافِ نَصِيبِ ابْنِهِ اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِهِ.
وَبِأَرْبَعَةِ أضعافه: خمسة أمثاله. وكذلك فيما زاد. والله أعلم بالصواب.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ قَالَ) لِفُلَانٍ نَصِيبٌ أَوْ حَظٌّ أَوْ قليل أو كثير من مالي ما عرفت لكثير حدا ووجدت ربع دينار قليلا تقطع فيه اليد ومائتي درهم كثيرا فيها زكاة وكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير وقيل للورثة أعطوه ما شئتم ما يقع عليه اسم ما قال الميت ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ حَظٍّ، أَوْ قسط، أو قليل، أو كثير ولم يجد ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَيَرْجِعُ فِي بَيَانِهَا إلى الورثة فيما بَيَّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ قَوْلُهُمْ فِيهِ مَقْبُولًا، فَإِنِ ادَّعَى الْمُوصَى لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَحْلَفَهُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا لَا تَخْتَصُّ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي العرف بمقدار معلوم، ولا لاستعمالها في القليل وَالْكَثِيرِ حَدٌّ، لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَيَكُونُ كَثِيرًا إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ.
وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ مِنَ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ بَاطِلَةٌ لِلْجَهْلِ بِهَا.