يَقْتَرِنَ بِالْكِتَابَةِ نِيَّةٌ، وَجَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فِي الْخُصُوصِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَكِتَابَةً فِي الْعُمُومِ تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، فَيَصِيرَ بِالنِّيَّةِ حُرًّا، لِأَنَّهُ قد صار بالنية مبرأ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِي فَرْقِكُمْ بَيْنَ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيمَا أَنْكَرْتُمُوهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَرْقِهِ بَيْنَ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ فِي طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْثُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا فِي الْخُصُوصِ إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يُوقِعْهُ عَلَيْهَا فِي الْعُمُومِ إِذَا قَالَ: كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ، فَارْتَكَبْتُمْ مَا أَنْكَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِكُمْ.
قِيلَ: لَا يَدْخُلُ هَذَا الْإِلْزَامُ عَلَيْنَا، لِأَنَّ لِلطَّلَاقِ وَجْهًا وَاحِدًا أَوْجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ حُكْمُ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ، وَلِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَجْهَانِ فَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَ فيها حكم لعموم وَالْخُصُوصِ.
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ بِمَعْنًى وَدَاخِلٌ فِيهِ " فمعنى "، فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَدَاخِلٌ فِيهِ بِالْعَجْزِ.
وَالثَّانِي: خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ، لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ، وَدَاخِلٌ فِي مِلْكِهِ لِثُبُوتِ عجزه. والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فَلَمَّا مَضَى غدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ إِذَا وَقَعَ مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ ثَانِيَةً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَقْدِ يَمِينِهِ بِعِتْقٍ عِنْدَهُ أَنْ يَعْقِدَهَا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَسَنُعِيدُهُ هَاهُنَا، لِنَبْنِيَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْعِتْقِ.
فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَهَا فِي دُخُولِ الدَّارِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَدْخُلَهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ، فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَتُطَلَّقُ بِحِنْثِهِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الطَّلَاقُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ يَمْلِكُهَا، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، لِأَنَّ دُخُولَ الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْحِنْثِ فَقَدْ كَانَ فِي زَمَانٍ لَا يَلْزَمُهُ مُوجِبُهُ مِنَ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ.
وَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ، وَلَمْ تُطَلَّقْ عَلَيْهِ، لِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ إِذَا وَقَعَ مَرَّةً لَمْ يَقَعْ ثَانِيَةً.