للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْتِهِ، وَكَسْرُ عَظْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَكَسْرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ " فَسَوَّى بَيْنَ حُرْمَتِهِمَا فَاقْتَضَى تَسَاوِي حُكْمِهِمَا.

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " يُحْشَرُ الْمَرْءُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا " قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يُحْشَرُ فِي عَمَلِهِ الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ إِحْرَامِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْجُنُونِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْضُ أَحْكَامِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ثَبَتَتْ حُكْمًا، يَفْعَلُهُ تَارَةً وَيَفْعَلُ غَيْرَهُ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ حُكْمُهَا بِالْمَوْتِ كَالْإِيمَانِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُزِيلُ التَّكْلِيفَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ كالإغماء والجنون، ولأنه ليس محرم فِي حَيَاتِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَزُولَ تَحْرِيمُهُ بِوَفَاتِهِ كَالْحَرِيرِ وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خَمِّرُوا رُءُوسَ مَوْتَاكُمْ " فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ سِوَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَيْسَ فِي الْيَهُودِ مُحْرِمٌ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وإذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ " فَهُوَ أَنَّ هَذَا لَوْ لَزِمَنَا فِي سَائِرِ الْمُحْرِمِينَ لَلَزِمَهُمْ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ لَا يُغَطَّى رَأْسُهُ، فَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ لَهُمْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْمُحْرِمِ لَمْ يَمْتَنِعْ لَنَا تَخْصِيصُ سَائِرِ الْمُحْرِمِينَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ خَمْسٍ ذَكَرَ فِيهَا حَجٍّ يُؤَدَّى وَدِينٍ يُقْضَى، فَثَبَتَ بنص الخير تَخْصِيصُ الْمُحْرِمِ.

وَأَمَّا قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ، فَالْمَعْنَى فِي الصَّلَاةِ: أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا نَصٌّ، وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا اخْتِلَافٌ، عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ إِنَّ حُكْمَ الْعِدَّةِ بَاقٍ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ سُؤَالُهُمْ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْعِدَّةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ عَلَى بَدَنٍ فَانْقَطَعَ حُكْمُهُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا سُقُوطُ الْعِدَّةِ فَلِأَجْلِ عَدَمِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَتَحْرِيمُ الطِّيبِ بَاقٍ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ، كَالْمَيِّتِ يَحْرُمُ تَكْسِيرُ عَظْمِهِ لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ، وَسَقَطَ إرشه لزوال منفعته.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ الْمَيِّتِ مِجْمَرَةٌ لَا تَنْقَطِعُ حَتَى يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِهِ فَإِذَا رَأَى مِنَ الْمَيِّتِ شَيْئًا لَا يَتَحَدَّثُ بِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سِتْرِ أَخِيهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا اسْتِحْدَاثُ الْمِجْمَرِ مِنْ حِينِ غَسْلِهِ إِلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهُ: فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اصْنَعُوا بِمَيِّتِكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِعَرُوسِكُمْ " وَلِيَقْطَعَ رَائِحَةً إن ندرت مِنْهُ، صِيَانَةً لَهُ، وَمَنْعًا مِنْ أَذَى مَنْ حَضَرَهُ، وَأَمَّا كِتْمَانُهُ لِمَا يَرَى مِنْ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ وَسُوءِ أَمَارَةٍ فَمَأْمُورٌ بِهِ لَا يَحِلُّ لِلْغَاسِلِ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>