للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الرِّقَابِ الواجبة)

(مِنْ كِتَابَيِ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ)

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: (لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ وَلَا بَقِيَ مَنْ خَالَفَ فِي أَنَّ مِنْ ذَوَاتِ النَقْصِ مِنَ الرِّقَابِ مَا لَا يُجْزِئُ وَمِنْهَا مَا يُجْزِئُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهَا دون بعض فلم اجد من مَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ إِلَّا مَا أَقُولُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجِمَاعُهُ أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا يُتَّخَذُ لَهُ الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ تَامًّا حَتَّى تَكُونَ يَدَا الْمَمْلُوكِ بَاطِشَتَيْنِ وَرِجْلَاهُ مَاشِيَتَيْنِ وَلَهُ بَصَرٌ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أَطْلَقَهَا وَلَمْ يَصِفْهَا فَأَجْمَعَ مَنْ تَقَدَّمَ الشَّافِعِيَّ وَعَاصَرَهُ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَأَنَّ مِنَ الرِّقَابِ مَا يُجْزِئُ وَمِنْهَا مَا لَا يُجْزِئُ فَكَانَ الْعُمُومُ مَخْصُوصًا وَخَالَفَ دَاوُدُ مِنْ بَعْدُ فَقَالَ: الْعُمُومُ مُسْتَعْمَلٌ وَجَمِيعُ الرِّقَابِ تُجْزِئُ مِنْ مَعِيبٍ وَسَلِيمٍ وَنَاقِصٍ وَكَامِلٍ تَمَسُّكًا بِالْعُمُومِ وَاحْتِجَاجًا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي النَّقْصِ وَالْكَمَالِ، وَهَذَا خَطَأٌ مَدْفُوعٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَهُ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَقَبَةٍ سَوْدَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَفَأَعْتِقُ هَذِهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (أَيْنَ اللَّهُ؟) فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ لَهَا (مَنْ أَنَا؟) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ. وَإِلَى السَّمَاءِ تَعْنِي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَدَلَّ سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْهَا وَامْتِحَانُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهَا عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ وَأَنَّ مِنَ الرِّقَابِ مَا يُجْزِئُ وَمِنْهَا مَا لَا يُجْزِئُ فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ دَاوُدَ أَنَّ كُلَّ الرِّقَابِ تُجْزِئُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي الْكَفَّارَةِ ذِكْرَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ ثُمَّ كَانَ عُمُومُ الْإِطْعَامِ مَخْصُوصًا فِي أَنْ لَا يُجْزِئَ مِنْهُ إِلَّا مُقَدَّرٌ وَلَا يُجْزِئُ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ إِطْعَامِ لُقْمَةٍ وَكِسْرَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصَ الْعُمُومِ بِمَا يَقْتَضِيهِ مَقْصُودُ التَّحْرِيرِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَمَقْصُودُ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ هُوَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَأَمَّا تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِالْحُرِّيَّةِ جَائِزَ الشَّهَادَةِ ثَابِتَ الْوِلَايَةِ مَاضِيَ التَّصَرُّفِ. وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ. فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِالْحُرِّيَّةِ مَالِكًا لِمَنَافِعِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>