وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهَا مَا غَرِمَهُ رَجَعَ بِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْهَا، وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْمَهْرَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ رَدَّهُنَّ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَوْ لَا يَشْتَرِطَ، إِلَّا أَنَّ الْهُدْنَةَ تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ رَدِّهِنَّ وَلَا تبطل إن لم يتشرط.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الرِّجَالِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِي اسْتِحْقَاقِ رَدِّ الْأَقْوِيَاءِ، فَصِفَةُ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ إِذْنًا مِنْهُ بِالْعَوْدِ، وَتَمْكِينًا لَهُمْ مِنَ الرَّدِّ، وَلَا يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ جَبْرًا إِنْ تَمَانَعَ الْمَرْدُودُ، وَكَذَلِكَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ فِي الْعَوْدِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَطْلُوبَ عَلَى تَمَانُعِهِ مِنَ الْعَوْدِ قِيلَ: لِلطَّالِبِ: أَنْتَ مُمَكَّنٌ مِنِ اسْتِرْجَاعِهِ، فَإِذَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ لَمْ تُمْنَعْ مِنْهُ، وَإِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ لَمْ تُعَنْ عَلَيْهِ، وَرُوعِيَ حُكْمُ الْوَقْتِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ حَالُ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي حَثِّهِ عَلَى الْعَوْدِ لِتَأَلُّفِ قَوْمِهِ أَشَارَ بِهِ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ وَعْدِهِ بِنَصْرِ اللَّهِ، وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ؛ لِيَزْدَادَ ثَبَاتًا عَلَى دِينِهِ، وَقُوَّةً فِي اسْتِنْصَارِهِ وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَثْبِيطِهِ عَنِ الْعَوْدِ أَشَارَ بِهِ سِرًّا وَأَمْسَكَ عَنْ خِطَابِهِ جَهْرًا، فَإِنْ ظَهَرَ مِنَ الطَّالِبِ عُنْفٌ بِالْمَطْلُوبِ واعده الإمام، فإن كان لفرط إسفاق تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ لِشِدَّةِ مَنْعِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَطْلُوبِ مَالٌ أَخَذَهُ مِنَ الطَّالِبِ الَّذِي نَظَرَ فِيهِ:
فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ الْهُدْنَةِ كَانَ الْمَطْلُوبُ أَحَقَّ بِهِ. وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ كَانَ الطَّلَبُ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُ قَبْلَ الْهُدْنَةِ مُبَاحَةٌ، وَبَعْدَهَا مَحْظُورَةٌ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنَّا مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ بَعْدُ لَمْ يُسْلِمْ مُكِّنَ طَالِبُهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً خِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُخَفْ؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ قَدْ أَوْجَبَتْ أَمَانَهُ مِنَّا، وَلَمْ تُوجِبْ أَنْ نُؤَمِّنَهُ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَقَّ بِمُطْلَقِ الْهُدْنَةِ تَمْكِينَهُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا أَنْ نَقُومَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْنَا، فَيَلْزَمُنَا بِالشَّرْطِ أَنْ نَرُدَّهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ، وَلَا يَلْزَمُنَا أَنْ نُعَاوِضَهُمْ عَنْهُ.
فَإِنْ شَرَطَهَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، أَنْ نُعَاوِضَهُمْ عَمَّنْ لَحِقَ بِنَا مِنْ كُفَّارِهِمْ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبْذُلَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُشْرِكِينَ.
: وَأَمَّا الضرب الثاني: والضعفاء فَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ مُعَاوَضَةُ الطَّالِبِ فِي دَفْعِهِ عَنِ الْمَطْلُوبِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ يَصِحُّ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ بِخِلَافِ بُضْعِ الْحُرَّةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ عَبْدًا غَلَبَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَهَاجَرَ مُسْلِمًا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، فَيَعْتِقَ بِهِجْرَتِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ تُوجِبُ أَمَانَهُمْ مِنَّا، وَلَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute